دلالات الأيديولوجيا

دلالات الأيديولوجيا
كانت فلسفة الأنوار ممهِّدةً لوجود الأيديولوجيا، فظهر مفهوم الأيديولوجيا بدلالة تشير إلى تلك الأوهام التي يستغلها المتسلطون -الرهبان والنبلاء والأغنياء- ليمنعوا الناس من اكتشاف الحقيقة، فاستعملت على أنها قناع يحجب الواقع، ونرى ذلك في نقد ماركس للفكر الهِيجلي الألماني ووصفه بأنه محدود، إذ انطلق من أطروحات قومية تحصر رؤيته في ألمانيا، ولا تنظر إلى أيٍّ من المجتمعات الأخرى، ومن ثم فإن ماركس اكتشف أن مضمون فلسفة الأنوار يخفي مصلحة طبقية.
أما نيتشه الذي نقد المسيحية ورفض فكرة الضعف والخنوع، فقد نظر إلى الإنسان على أنه حيوان قبل كل شيء، وأن جسمه هو الذي يستعمل عقله أداةً لتلبية أغراضه الغريزية، ومن ثم فإن القيم والأخلاق ما هي إلا قوانين أسسها المستضعفون لتؤنسهم، ولتغطي غلَّهم ضد الأسياد، وذلك الغل خلق عالمًا وهميًّا، يعادي الطبيعة، ويمجد عالم الخيال والوهم الذي يخلق ستارًا حاجزًا عن حقيقة الحياة. من بعده، يؤصِّل فرويد لفكرة أن العقل كغيره من الموجودات تحت تصرف الرغبة، وأن كل فكرة أو مؤسسة أو مذهب ليس سوى نزوةٍ للرغبة، فينظر إلى الرغبة على أنها قوة تستخدم العقل لتلبية أغراضها المكبوتة وراء الوعي، ومن ثم فإن الإنتاج العقلي ما هو إلا تبريرات خلقها الإنسان المُتمدن، لمعارضة دافع الرغبة الجارف.
ومن ثم نرى أن الأيديولوجيا تستخدم بصفتها وهمًا وقناعًا يحجب الحقيقة، وهذا الوهم يمنع بالضرورة مطابقة الفكر للواقع، وأكثر ما يستعمل ذلك في مجال السياسة، فأي سياسي يمكنه أن يوظف الأيديولوجيا للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، ولكي يكتسب الأتباع ويحقق مصالحه، يرى ذاته حقيقةً مطلقة، والآخر مدلسًا يعمي الناس عن الحق والعدل. فكيف يمكن أن نحكم على الحق والباطل، وندرك الواقع، إذا كانت البيئة والمجتمع والنزوة والوهم تؤثر جميعها في عقل الإنسان؟
الفكرة من كتاب مفهوم الإيديولوجيا
ما من أحدٍ يطالع كتابًا يتحدث عن الثقافة والفكر إلا اعترضته لفظة “أيديولوجيا”، فما معنى هذا اللفظة؟ وما الذي تحويه من دلالة؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تطورت؟ يرى العَرْوِي أن المفاهيم النظرية هي المدخل الأساسي لأي مراجعة معرفية، فاندفع لكتابة سلسلة المفاهيم التي منها هذا الكتاب، وكان أخصها مفهوم الأيديولوجيا، الذي يعد المدخل الأساسي للتعاطي مع أي منظومة فكرية معينة، أو سياق تاريخي لتيار أو مدرسة معرفية ما، فحاول العَرْوِي ترسيم دلالات مفهوم الأيديولوجيا ومجالاته ومراحل تطوره، وصيرورته التاريخية.
مؤلف كتاب مفهوم الإيديولوجيا
عبد الله العروي: مفكر وأديب وروائي مغربي، ولد في مدينة أزمور المغربية عام 1933م، تلقى تعليمه في العاصمة الرباط، ثم أكمل تعليمه العالي في جامعة السوربون في فرنسا عن أطروحته للدكتوراه التي حملت عنوان “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية 1830-1912″، ثم عمل بعدها مدرسًا في كلية العلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس، أصدر عديدًا من المؤلفات، ومنها:
الإيديولوجيا العربية المعاصرة.
العرب والفكر التاريخي.
ثقافتنا في ضوء التاريخ.
مفهوم الحرية.
مفهوم الدولة.
