فلسفة الأنوار.. تبلور مفهوم الأيديولوجيا

فلسفة الأنوار.. تبلور مفهوم الأيديولوجيا
أخذ النزاع بين فلاسفة الأنوار والكنيسة منحًى آخر، فحكمت الكنيسة على كل من خرج عليها أنه مسخَّر من الشيطان، وأنه شريك في المؤامرات التي دبرت ضد “مملكة المسيح”، في حين أن فلاسفة الأنوار لم يجنحوا لنظرية الشيطان، على الرغم من أن عبارة الظلام التي كانوا يطلقونها على الكنيسة تومئ بذلك، كان الفلاسفة يربطون بين الأفكار ودوافع الإنسان البحتة، ويرون أن تلك الدوافع تشكل السبب الأول والأخير، وعلى رأس تلك الدوافع حب السيطرة والاستبداد، وبذلك أرجعت فلسفة الأنوار الاختلاف بين الفكر والواقع إلى دافع جوهري إنساني، ورأت أن المشكلة لا تكمن في الدافع، بقدر ما تكمن في الظروف التي أدَّت إلى ظهوره، فعملت على محاربة تلك الظروف، وشخصت الظروف بأنها كل ما يجده المرء قائمًا أمامه من أنظمة اجتماعية وفكرية موروثة مسيطرة، وردت اعوجاج الأفكار إلى تلك الظروف الاجتماعية، فسعت إلى محاربة تلك الظروف، ودراسة تأثيرها في الفكر بهدف إصلاحه، ورأت أن أثر التربية يتغلب على العقل، ويبدد التقاليد وينشر النور.
وهكذا قبل القرن الثامن عشر الميلادي، كان يُحكم على كل من خالف الصواب، الذي يتمثل في “الأنا”، بأن مشكلته تكمن في خلل منطقي أو غواية من نفسه أو اتحاد مع قوة الشيطان، لذا فإن حصرنا للسؤال في كيفية التفكير السليم يضعنا دائمًا في نطاق المنطق الذي يضمن مطابقة الفكر للواقع، أما مع ثورة الأنوار فقد انبثق سؤال “كيف نفكر؟”، الذي يفتح المجال للتأمل في طبيعة التفكير وترابطها مع الطبيعة الحسية والثقافية الإنسانية، فإذا أردنا التفكير بشكل سليم فلا ضير من كشف تأثير التقاليد والمعتقدات والأفكار الموروثة في تفكير الفرد، وهنا يتبلور وينتعش مفهوم الأيديولوجيا بربطه بالنظرية الاجتماعية والتاريخية، فلو حصرنا المفهوم في نطاقه المنطقي ذاب وانسلخ.
الفكرة من كتاب مفهوم الإيديولوجيا
ما من أحدٍ يطالع كتابًا يتحدث عن الثقافة والفكر إلا اعترضته لفظة “أيديولوجيا”، فما معنى هذا اللفظة؟ وما الذي تحويه من دلالة؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تطورت؟ يرى العَرْوِي أن المفاهيم النظرية هي المدخل الأساسي لأي مراجعة معرفية، فاندفع لكتابة سلسلة المفاهيم التي منها هذا الكتاب، وكان أخصها مفهوم الأيديولوجيا، الذي يعد المدخل الأساسي للتعاطي مع أي منظومة فكرية معينة، أو سياق تاريخي لتيار أو مدرسة معرفية ما، فحاول العَرْوِي ترسيم دلالات مفهوم الأيديولوجيا ومجالاته ومراحل تطوره، وصيرورته التاريخية.
مؤلف كتاب مفهوم الإيديولوجيا
عبد الله العروي: مفكر وأديب وروائي مغربي، ولد في مدينة أزمور المغربية عام 1933م، تلقى تعليمه في العاصمة الرباط، ثم أكمل تعليمه العالي في جامعة السوربون في فرنسا عن أطروحته للدكتوراه التي حملت عنوان “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية 1830-1912″، ثم عمل بعدها مدرسًا في كلية العلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس، أصدر عديدًا من المؤلفات، ومنها:
الإيديولوجيا العربية المعاصرة.
العرب والفكر التاريخي.
ثقافتنا في ضوء التاريخ.
مفهوم الحرية.
مفهوم الدولة.





