هل القباحة مضادة للجمال؟

هل القباحة مضادة للجمال؟
تحقر بعض الجماعات القبيحة من الآخرين لإعلاء قيمهم الحضارية، إذ دُمج الظلام مع لون البشرة الأسود، وفُضل اللون الأبيض لأنه يوضح الملامح بشكل أفضل، ومن هنا ترسخت فكرة أنه كلما كان الجسد أشد بياضًا أصبح أجمل، ورأت نساء المكسيك أن الجبهة الضيقة علامة على الجمال، في حين رآها الغرب علامة على القبح، وقديمًا رُفض النحت الإفريقي بصفته قبيحًا غريبًا، ولكن مع اختلاف معايير الجمال أصبح من الروائع الفنية.
وتحمل النساء وصمات القباحة المجتمعية أكثر من الرجال، ومن ثم يتجهن إلى أدوات التجميل والعمليات حتى يلاقوا قبولًا، ففي العصور القديمة استخدمن المشدات التي شوهت أحشاءهن وأضلاعهن، ثم اتجهن في ما بعد نحو عمليات التجميل الجراحية، التي كان لها في كثير من الحالات تبعات صحية خطيرة، واستخدمن مستحضرات تجميل تحتوي على مواد سامة كالرصاص.
وفي أحيان أخرى عندما تنتقل القباحة عبر أزمنة وفضاءات مختلفة، تتنوع معانيها واستخداماتها، ويُستخدم القبح لخدمة الأفراد وحمايتهم من الأذى، ففي اليابان يوجد تقليد تسويد الأسنان المعروف بـohaguro، الذي يستخدمه محاربو الساموراي لحماية زوجاتهم وأطفالهم من خطر الأعداء، وتُعد بعض الوظائف القبيحة كجمع القمامة، والعمل في قنوات الصرف الصحي مصدر دخل لأصحابها، ولا تقل أهمية اجتماعية عن وظيفة الطبيب والمدرس.
إن الجمال يكمن في الانفتاح على العالم بكل ما فيه، والحب الحقيقي لا يمكن أن يُجرد من القباحة وينأى عنها، بل يسمح بوجودها، فيرى المحب عيوب حبيبه ويحترمها ويراها جزءًا أساسيًّا منه، وعندها تصبح المظاهر الشكلية أقل أهمية، ويقل الاستعراض واللجوء إلى التجميل، ويفتخر المرء بهويته ويصبح أكثر إدراكًا لماهية الكون، ومن ثم يجب مقاومة التصنيفات الجمالية، وتغيير المفاهيم المتجذرة للقباحة.
الفكرة من كتاب التاريخ الثقافي للقباحة
أحيانًا تراودك تساؤلات حول معايير الجمال في المجتمع، وتتساءل “ما الذي يجعل تلك الممثلة مشهورة ومحبوبة من قبل الجماهير على الرغم من ضآلة موهبتها؟ ولماذا هذا العدد الضخم من المشاهدات لمقاطع اليوتيوب الرافعة رايات القبح؟” فهل توجد سمة مشتركة تجمع بين هؤلاء؟
في الواقع نعم، إنه المفهوم المجتمعي للجمال والقبح، الذي تتبدل استعمالاته باختلاف الثقافة والزمان والمكان، ويناقش هذا الكتاب القباحة بصفتها مفهومًا فلسفيًّا يمتد عبر العصور، ويطرح نماذج تاريخية مثلت القباحة، كوحش فرانكشتاين، وموسيقى الجاز، والعمارة الوحشية، وقوانين القباحة التي طُبقت على المشوهين، وجوليا باسترانا || Julia Pastrana التي وُصمت في عصرها بأقبح امرأة في العالم.
مؤلف كتاب التاريخ الثقافي للقباحة
جريتش إي هندرسُن: كاتبة أمريكية من مواليد سان فرانسيسكو، ومحاضرة باللغة الإنجليزية في جامعة جورج تاون Georgetown University، وباحثة في تاريخ الفن في كلية كينيون Kenyon College، ومن أهم مؤلفاتها:
Life in the Tar Seeps: A Spiraling Ecology from a Dying Sea
On Marvellous Things Heard
معلومات عن المترجم:
د. رشا صادق: ترجمت عديدًا من الكتب، منها:
من كتبي: اعترافات قارئة عادية.
في البحث عن الزمن: رحلات في بعد مدهش.
من طبخت العشاء الأخير: تاريخ العالم كما ترويه النساء.

