الحواس القبيحة

الحواس القبيحة
عبر التاريخ واجه عديد من الفنانين تهمًا متمثلة في الانحطاط وتشويه الثقافة، ووُصفت بعض الأعمال الفنية التي تُصنف اليوم من الروائع أنها قبيحة وخطيرة، كأعمال الفنان هنري ماتيس عام 1913م، ووصفت العمارة الوحشية أنها بشعة عنيفة، وطُرحت فكرة تدمير الأبنية الفكتورية، التي أصبحت في ما بعد تحفًا معمارية.
كما أن بعض المأكولات تُعد قبيحة في كثير من البلدان، ولكنها ليست كذلك في سياق ثقافاتها الأصلية، كالهاجِس Haggis الاسكتلندي المتكون من معدة خروف محشوة بأحشائه، وقدمت بعض الدراسات دوافع وراء تناول لحوم البشر، إذ يؤكل لحم الأسلاف لكسب فضائلهم وإنقاذهم من أن تأكلهم الديدان، وساعد تذوق البول والدم في وقت ما على تشخيص الأمراض.
ومن ثم فإن الاشمئزاز عند تناول طعام معين يستند إلى الثقافة لا إلى الطبيعة البشرية، ويرجع إلى خوف الموت والإصابة بالأمراض، وذلك ينطبق على الروائح، ففي العصور الوسطى لُف المواليد بالأفيون لطرد الأحلام السيئة، ومزجت الروائح القبيحة بالفوارق الطبقية، إذ إن مشاريع الإسكان الشعبية تُبنى غالبًا في مناطق بيئتها ملوثة أكثر من غيرها.
وفي وقت ما كانت موسيقى الجاز والروك آند رول محط ازدراء، وكان رنين الأجراس إزعاجًا، إذ اعتقد الرومان أنها تطرد الأرواح الشريرة، وحُددت الطبقات الاجتماعية ومحددات ثقافية أخرى بناءً على الصوت واللهجة، ولكن ومع مرور الوقت اتضح أن الموسيقى القبيحة يمكن أن تُعزف بطريقة جميلة، وأن القبيح يبدو مذهلًا أحيانًا ويخالف التوقعات، وأن صفة “قبيح” تُطلق كثيرًا على أشياء غير مفهومة، ومختلفة عن التقاليد الجمالية السائدة.
وتتداخل الحواس معًا، إذ إن سماع صوت ما يترافق مع رؤية ألوان معينة، وكل إنسان يشم بيئته -سواء برائحة جميلة أم قبيحة- بناءً على ذكرياته فيها، ومن ثم لا يوجد جميل لا يبدو قبيحًا من منظور آخر وفي ظروف معينة، فالقباحة تتقاطع في كثير من الحالات مع الجمال، ولا تعني بالضرورة التناقض معه.
الفكرة من كتاب التاريخ الثقافي للقباحة
أحيانًا تراودك تساؤلات حول معايير الجمال في المجتمع، وتتساءل “ما الذي يجعل تلك الممثلة مشهورة ومحبوبة من قبل الجماهير على الرغم من ضآلة موهبتها؟ ولماذا هذا العدد الضخم من المشاهدات لمقاطع اليوتيوب الرافعة رايات القبح؟” فهل توجد سمة مشتركة تجمع بين هؤلاء؟
في الواقع نعم، إنه المفهوم المجتمعي للجمال والقبح، الذي تتبدل استعمالاته باختلاف الثقافة والزمان والمكان، ويناقش هذا الكتاب القباحة بصفتها مفهومًا فلسفيًّا يمتد عبر العصور، ويطرح نماذج تاريخية مثلت القباحة، كوحش فرانكشتاين، وموسيقى الجاز، والعمارة الوحشية، وقوانين القباحة التي طُبقت على المشوهين، وجوليا باسترانا || Julia Pastrana التي وُصمت في عصرها بأقبح امرأة في العالم.
مؤلف كتاب التاريخ الثقافي للقباحة
جريتش إي هندرسُن: كاتبة أمريكية من مواليد سان فرانسيسكو، ومحاضرة باللغة الإنجليزية في جامعة جورج تاون Georgetown University، وباحثة في تاريخ الفن في كلية كينيون Kenyon College، ومن أهم مؤلفاتها:
Life in the Tar Seeps: A Spiraling Ecology from a Dying Sea
On Marvellous Things Heard
معلومات عن المترجم:
د. رشا صادق: ترجمت عديدًا من الكتب، منها:
من كتبي: اعترافات قارئة عادية.
في البحث عن الزمن: رحلات في بعد مدهش.
من طبخت العشاء الأخير: تاريخ العالم كما ترويه النساء.
