من أين نشأ تعصبنا ضد اختلاف الآخر؟

من أين نشأ تعصبنا ضد اختلاف الآخر؟
تعود المفاهيم السلبية المرتبطة بالاختلاف إلى قديم الأزل، ففي القرن الثامن عشر استُخدم القبيحون الذين يشمل طيفهم: (الأقزام، والعبيد، والصلعان، والعوران، والصم، والسود، والسِّمَان) وغيرهم، في الاستعراض وتقديم التسلية في المآدب والأعياد، وفي الحقبة الفكتورية ومع دخول العصر الصناعي ازدادت العروض التجارية للقبيحين، ومن هذا الوسط ظهرت “جوليا باسترانا || Julia Pastrana ” امرأة هندية مكسيكية تعاني اضطرابًا وراثيًّا تسبب في كساء كامل جسمها بالشَّعر، وقدمت استعراضات من أجل كسب المال، ولُقبت بأقبح امرأة في العالم وفقًا لمعايير الجمال الفكتورية السائدة، وعندما ماتت بِيعَت جثتها وجثة ابنها المُشْعر، وحُنطا وعُرضا في المتاحف وعروض السيرك والبلاطات الملكية.
وفي القرنين التاسع عشر والعشرين وُضعت قوانين تُميز بين الأفراد، إذ فُرضت غرامات مالية على الشحاذين والمرضى والمشوهين عند وجودهم في الأماكن العامة والطرقات، حتى لا يسببوا أذًى بصريًّا وضيقًا للآخرين، وظهر الفصل العنصري والانقسامات العرقية والعمل على تحسين السلالات ضد الجماعات القبيحة غير المرغوب فيها، وظلت تلك القوانين سارية إلى أن احتجت حركة حقوق ذوي الإعاقة عام 1970م، وأدانت القوانين ومتفرجي عروض المشوهين والقائمين عليها، ومن ثم ألغيت قوانين القباحة، وتصاعدت الاعتراضات عام 2012م تنادي بإعادة جثة باسترانا وابنها إلى المكسيك، وذلك ما حدث بالفعل.
وفي القرنين التاسع عشر والعشرين تكاثرت رموز القباحة عبر وسائل الإعلام، ففي السينما ظهرت شخصية
فرانكشتاين، وأحدب نوتردام، وأُنتج فيلم الجميلة والوحش، وانخرط كُتاب وفلاسفة في الكتابة عن القباحة، مثل: (إيمانويل كانت، وفريدريك نيتشه، وإدجار آلن بو، وجي جي بالارد)، وظهرت القباحة في معرض الفن المحنط النازي وغيرها من الرموز التي لعب القبيح شخصية رئيسة فيها، والتي تساعد على إعادة تقييم المفاهيم الجمالية من وجهات نظر بديلة، وتثبت تعقيد مفهوم القباحة الذي لا يمكن اختزاله في أزمنة وأمكنة محددة، ويتفاوض باستمرار على معانٍ جديدة تتحدى الركود الثقافي.
الفكرة من كتاب التاريخ الثقافي للقباحة
أحيانًا تراودك تساؤلات حول معايير الجمال في المجتمع، وتتساءل “ما الذي يجعل تلك الممثلة مشهورة ومحبوبة من قبل الجماهير على الرغم من ضآلة موهبتها؟ ولماذا هذا العدد الضخم من المشاهدات لمقاطع اليوتيوب الرافعة رايات القبح؟” فهل توجد سمة مشتركة تجمع بين هؤلاء؟
في الواقع نعم، إنه المفهوم المجتمعي للجمال والقبح، الذي تتبدل استعمالاته باختلاف الثقافة والزمان والمكان، ويناقش هذا الكتاب القباحة بصفتها مفهومًا فلسفيًّا يمتد عبر العصور، ويطرح نماذج تاريخية مثلت القباحة، كوحش فرانكشتاين، وموسيقى الجاز، والعمارة الوحشية، وقوانين القباحة التي طُبقت على المشوهين، وجوليا باسترانا || Julia Pastrana التي وُصمت في عصرها بأقبح امرأة في العالم.
مؤلف كتاب التاريخ الثقافي للقباحة
جريتش إي هندرسُن: كاتبة أمريكية من مواليد سان فرانسيسكو، ومحاضرة باللغة الإنجليزية في جامعة جورج تاون Georgetown University، وباحثة في تاريخ الفن في كلية كينيون Kenyon College، ومن أهم مؤلفاتها:
Life in the Tar Seeps: A Spiraling Ecology from a Dying Sea
On Marvellous Things Heard
معلومات عن المترجم:
د. رشا صادق: ترجمت عديدًا من الكتب، منها:
من كتبي: اعترافات قارئة عادية.
في البحث عن الزمن: رحلات في بعد مدهش.
من طبخت العشاء الأخير: تاريخ العالم كما ترويه النساء.





