هرتزل يؤسس المنظمة الصهيونية وصيغتها الشاملة

هرتزل يؤسس المنظمة الصهيونية وصيغتها الشاملة
ولد “تيودور هرتزل | Theodor Herzl” في عائلة ذات أصول مجريّة، درس القانون ثم انتقل للعمل صحفيًّا، يعود الفضل إلى هرتزل في نقل الصهيونية من المرحلة التسللية إلى الاستيطان الإمبريالي بتأسيسه للمنظمة الصهيونية، فقد كانت الصهيونية التسللية تعبّر عن نفسها في التسلل الفردي البطيء إلى فلسطين، والاستيطان فيها بتمويلٍ من الأثرياء اليهود، وتُعد أحباء صهيون والبيلو أكبر جماعتين فيها، وقد قَبِلت الصهيونية التسللية وضع اليهود بوصفهم فائضًا في الحضارة الأوربية، ولكنهم رفضوا انتظار الأمر الإلهي بالعودة إلى فلسطين شأن بعض الجماعات الدينية، ورأوا في الزراعة وسيلةً أساسية للإحلال، وعملوا على ابتزاز اليهود الأثرياء لجمع التمويل المناسب لأنشطتهم ومشاريعهم.

أما مع هرتزل فقد ظهر الحل الإمبريالي للصهيونية، وطوّر خطابًا مراوغًا سطحيًّا، وصيغة صهيونية شاملة اقتنعت بها الجماعات اليهودية المختلفة، ومثّل بشخصيته السطحية الهامشية حلقةَ الوصل بين الغرب والصهيونية، متجاهلًا التناقضات الإشكالية العميقة، مرضيًا جميع الأطراف، واستند في أفكاره إلى عضوية الشعب اليهودي المنبوذ، الذي يحصد الكراهية أينما ارتحل، وأسس لذلك على المستوى التاريخي والاجتماعي والثقافي، وصبغه بلون عرقي عنصري، بالإضافة إلى أن أفكاره المتمثّلة في خطاباته المكتوبة تدل على تجاهل واضح للعرب، أو وعدهم بالعيش في رخاء في رحاب دولة اليهود في فلسطين.
اتفقت جميع التيارات الصهيونية على الصيغة الشاملة، ولكنها اختلفت حول عدة نقاط، مثل الصراع بين الاستيطانيين، أي المهاجرين إلى فلسطين، والتوطينيين، أي الأثرياء المندمجين، بالإضافة إلى الصراع الإثني بين التيار الديني والعلماني، ولا ننسى الخلاف الداخلي الأكبر وهو الخلاف حول الدولة، حدودها، وآليات إنشائها ونطاق سيادتها، والتوجهات الأيديولوجية التي تَسلكها، وبالتأكيد حسم القضايا المتعلقة بالتكوين السكاني.
استمرت المؤتمرات الصهيونية في الانعقاد منذ المؤتمر الأول في بازل عام 1897م حتى عام 2006م، تحوّلت فيها إلى كيان استشاري بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، وفشلت في حل المشكلات الاستيطانية الكبرى والهجرة العكسية، وقد نجح قادة إسرائيل في تفريغ المنظمة من أيديولوجيتها ومعناها، واقتصر دورها الفعلي على محاولة لإحياء ارتباط الجماعات اليهودية العالمية بها.
الفكرة من كتاب تاريخ الفكر الصهيوني.. جذوره ومساره وأزمته
لفهم الصهيونية بمدى عمقها وتعقيداتها، يتعيّن علينا أن نتجاوز النظرة السطحية ونستقصي في جذورها الفكرية وتطورها عبر الزمن، ونتوقف عن الاستناد إلى مقولات غربية، لأنها ليست كافية لإنارة فهمنا لهذه الظاهرة التاريخية والسياسية المعقدة، إذ نحتاج إلى بناء نموذج تفسيري مستقل يعتمد على البحث العلمي والنظرة الشاملة، بهدف تجاوز الديباجات التي تسيطر على النقاشات وتحجب الحقائق.
يقدم لنا الدكتور عبدالوهاب المسيري مفاتح تفسيرية تساعدنا على استكشاف جذور الصهيونية وتطورها، يتساءل عن كيفية نشأة هذه الحركة والدوافع وراء وجودها، مسلطًا الضوء على السياق الحضاري الذي نشأت فيه، وكيف أسهم المفكرون الصهيونيون في تطوير استراتيجياتهم عبر المراحل المتعددة التي مرت بها الحركة، ويركز على الدور الذي لعبته أوربا في تنفيذ المشروع الصهيوني ورعايته، ثم يعرض لنا الأسباب والملابسات التي دفعت أوربا إلى تبني هذا المشروع وكيف تطوّر هذا التفاعل في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة، مما يمكننا في نهاية المطاف من تطوير أسس قوية لمقاومة المشروع الصهيوني وفهم أعماق تأثيره.
مؤلف كتاب تاريخ الفكر الصهيوني.. جذوره ومساره وأزمته
عبد الوهاب المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، ولد في دمنهور عام 1938م، تخصص في دراسة اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية حتى حصل على البكالوريوس في عام 1959م، ثم نال الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بنيويورك | Columbia University in New York في عام 1964م، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيو جيرسي | Rutgers University in New Jersey في عام 1969م، وعاد إلى الوطن العربي ليدرّس في عديد من الجامعات في مصر والكويت والسعودية، بالإضافة إلى توليه مناصب ثقافية، وانخراطه في العمل السياسي في مصر.
يُعد من أهم المساهمين في نقد الحداثة الغربية، كما أثرى التحليلات والدراسات العربية الخاصة بدراسة اليهود والصهيونية، ومن أهم أعماله:
مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي.
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.
الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان.
العالم من منظور غربي.
الأيديولوجية الصهيونية.
الفردوس الأرضي.