العلاقة بين حملات الفرنجة والصهيونية

العلاقة بين حملات الفرنجة والصهيونية
تُعد حملات الفرنجة -أو ما يعرف بالحملات الصليبية- نمطًا صهيونيًّا بامتياز، لتوافر الفائض البشري المسيحي، واستغلاله لتطبيق الحل الإمبريالي باستعمار بلاد الشام، ورغم إعلان أمراء وحكام أوربا أهدافًا دينية ومقدسة للحملة، فإن الدوافع الحقيقية لا تخفى على أحد، وأولها أن النظام الإقطاعي الأوربي يدور بين الزراعة والقتال لسد الفجوة بين تزايد السكان وتناقص المحاصيل، وثانيها الرغبة في التخلص من المشاغبين والفائض عبر دفعه إلى معارك مُهلِكة، وثالثها بدء التوسع الأوربي المدعوم بالهيمنة البحرية لسفن المدن التجارية، كما أن قصص ثراء الشرق وتعدد خيراته كانت الدافع الرابع والأكبر لحملات الفرنجة، وبالتأكيد كان توسيع سيطرة الكنيسة دافعًا خامسًا.

يظهر الجانب الصهيوني من حملات الفرنجة في نظرتها إلى الفائض البشري المسيحي واليهودي، كلاهما مادة استعمالية لأهداف دينية وعلمانية، فمثلًا تكوّنت الجماعات المسيحية كفرسان الهيكل وأصدقاء القدس وبنت مستعمرات ألمانية، أما اليهود فعدتهم البروتستانتية أداةً لخلاصهم، فإذا جُمّعوا في فلسطين سيظهر المسيح للمرة الثانية ويقود معركة هَرْمَجَدُّون ضد المسيح الدجال وأعوانه من الحكام، وتُصوّر تلك المعركة بأنها رمزية للخير ضد الشر، وتستخدم في الخطابات السياسية الغربية حتى الآن في تشبيه لأي معركة بين اليهود والمسيحيين ضد العرب.
ولكن تلك النظرة الدينية تراجعت أمام معدلات العلمنة والرؤية الإمبريالية منذ القرن الثامن عشر، وظهرت طبقة من المفكرين الصهيونيين غير اليهود، اهتمت بإقناع اليهود بالمشروع الصهيوني، ولكن ليس بدافع ديني، بل بأطماع “جغراسية”، أي خليط بين المصالح الجغرافية والسياسية، المُعَبّر عنها في موازين القوى والإمبراطوريات الاستعمارية والتجارية، ولم تتجاهل الصهيونية التجربة الفرنجية، بل استفادت بدراستها لاستخراج عِبر وحلول للمشكلات الاستيطانية التي واجهتها، لتنتهي إلى أن أكبر خطرين مهددين هما تجميد الهجرة وعدم العيش مع المحيط في سلام.
الفكرة من كتاب تاريخ الفكر الصهيوني.. جذوره ومساره وأزمته
لفهم الصهيونية بمدى عمقها وتعقيداتها، يتعيّن علينا أن نتجاوز النظرة السطحية ونستقصي في جذورها الفكرية وتطورها عبر الزمن، ونتوقف عن الاستناد إلى مقولات غربية، لأنها ليست كافية لإنارة فهمنا لهذه الظاهرة التاريخية والسياسية المعقدة، إذ نحتاج إلى بناء نموذج تفسيري مستقل يعتمد على البحث العلمي والنظرة الشاملة، بهدف تجاوز الديباجات التي تسيطر على النقاشات وتحجب الحقائق.
يقدم لنا الدكتور عبدالوهاب المسيري مفاتح تفسيرية تساعدنا على استكشاف جذور الصهيونية وتطورها، يتساءل عن كيفية نشأة هذه الحركة والدوافع وراء وجودها، مسلطًا الضوء على السياق الحضاري الذي نشأت فيه، وكيف أسهم المفكرون الصهيونيون في تطوير استراتيجياتهم عبر المراحل المتعددة التي مرت بها الحركة، ويركز على الدور الذي لعبته أوربا في تنفيذ المشروع الصهيوني ورعايته، ثم يعرض لنا الأسباب والملابسات التي دفعت أوربا إلى تبني هذا المشروع وكيف تطوّر هذا التفاعل في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة، مما يمكننا في نهاية المطاف من تطوير أسس قوية لمقاومة المشروع الصهيوني وفهم أعماق تأثيره.
مؤلف كتاب تاريخ الفكر الصهيوني.. جذوره ومساره وأزمته
عبد الوهاب المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، ولد في دمنهور عام 1938م، تخصص في دراسة اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية حتى حصل على البكالوريوس في عام 1959م، ثم نال الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بنيويورك | Columbia University in New York في عام 1964م، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيو جيرسي | Rutgers University in New Jersey في عام 1969م، وعاد إلى الوطن العربي ليدرّس في عديد من الجامعات في مصر والكويت والسعودية، بالإضافة إلى توليه مناصب ثقافية، وانخراطه في العمل السياسي في مصر.
يُعد من أهم المساهمين في نقد الحداثة الغربية، كما أثرى التحليلات والدراسات العربية الخاصة بدراسة اليهود والصهيونية، ومن أهم أعماله:
مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي.
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.
الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان.
العالم من منظور غربي.
الأيديولوجية الصهيونية.
الفردوس الأرضي.