المرتكزات القانونية لمقاضاة المتهمين بارتكاب جرائم حرب

المرتكزات القانونية لمقاضاة المتهمين بارتكاب جرائم حرب
أعلنت الأمم المتحدة عدة مبادئ تضمن التعاون الدولي لتعقب المذنبين بارتكاب جرائم حرب واعتقالهم وتسليمهم، وتنص تلك المبادئ على أن تتعاون الدول في جمع المعلومات والدلائل ضد هؤلاء الأشخاص وتقديمهم للمحاكمة، ولا يجوز لأي دولة أن تمنح ملجأً لأي شخص يشتبه بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وهنا يجب الأخذ في الحسبان المسؤولية الجنائية الفردية، إذ أقر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية سنة 1998م مسؤولية الأفراد جزائيًّا عن الجرائم التي ارتكبوها، وأصبح بموجبه الأفراد الطبيعيون من أشخاص القانون الدولي مسؤولين جزائيًّا عن جرائم الحرب التي ارتكبوها بغض النظر عن الجنس أو المراكز الوظيفية

مما اقتضى بدوره سن مبدأين آخرين، أولهما: عدم الاعتداد بالحصانات وسيلةً للتخفيف من العقاب أو الهروب منه، وثانيهما: توقيع الجزاء على كل من الرؤساء والمرؤوسين، فالرئيس يتحمل المسؤولية إذا علم أو تجاهل ما يفيد بأن مرؤوسيه يرتكبون هذه الجرائم ولم يتخذ تدابير لازمة لمنعها، كما أن حث مرؤوسيه على ارتكاب تلك الجرائم يعد مساويًا للجرم نفسه، وكذلك لا يُعفى المرؤوسون من المسؤولية الجنائية إذا ارتكبوا جرائمهم امتثالًا لأمر حكومة أو رئيس ما داموا قد علموا عدم مشروعية الأوامر التي أعطيت لهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأمر نفسه ينطبق على الجنود الإسرائيليين الذين ثبت قيامهم بإعدامات ميدانية ضد فلسطينيين تأكد كونُهم مدنيين، وبرروا أفعالهم بحجة الامتثال لأوامر قيادة الجيش، لكن هل تمت إدانتهم أمام المحاكم الدولية؟ بالطبع لا، لأن إسرائيل تمارس خديعة قانونية تستند إلى مبدأ “القضاء المكمل”، بمعنى أن الشخص لا يحاكم أمام المحكمة الدولية إلا بعد المثول أمام المحكمة الوطنية، فتلجأ إسرائيل لعقد لجان شكلية للتحقيق في وقوع “مخالفات خطيرة وانتهاكات للقانون الدولي”، ويا للعجب، انتهت جميع التحقيقات بإغلاق الملفات وتبرئة المسؤولين
وفي أفضل الأحوال إدانة أحد صغار الضباط بالإهمال أو التقصير. فبرأت نفسها من جرائم الحرب التي ارتكبتها في حروبها على قطاع غزة، ومن قتل الناشطة “راشيل كوري || Rachel Corrie”، وإعدام الطفل محمد الدرة، وقتل أربعة أطفال آخرين تتراوح أعمارهم بين تسعة وأحد عشر عامًا من عائلة بكر في أثناء لهوهم على شاطئ غزة، كذلك خرجت غير مدانة من عدوانها على سفينة مرمرة التركية، وقصف مدرسة الأونروا في بيت حانون، وارتكاب مجازر بحق نازحي شمال القطاع في حرب 2014م.
الفكرة من كتاب كيف نقاضي إسرائيل؟ المقاضاة الدولية لإسرائيل وقادتها على جرائمهم بحق الفلسطينيين
أفادت إحدى الدراسات التي حللت الحروب بين عامي 1900 و2003م عدم وجود أي دليل على أن الدول الموقعة على اتفاقيات القانون الدولي الإنساني قتلت أعدادًا من المدنيين في حروبها أقل من التي قتلتها الدول غير الموقعة، وربما كانت إسرائيل واحدة من الدول التي اختصت بها الدراسة، فقد قتلت في حروبها أعدادًا لا تحصى من الأبرياء وقصفت المستشفيات والملاجئ والمدارس، لكنها لم تعاقب رغم أنها طرف في معظم اتفاقيات القانون الدولي، ما يدفع المرء للتساؤل: هل إسرائيل دولة فوق القانون تفعل ما تشاء دون اكتراث للعواقب؟ هل الخلل في القانون الدولي أم في تطبيقه؟ أم إن القيادة الفلسطينية والعربية لا تريد المضي قدمًا في هذا الطريق تجنبًا لغضب الولايات المتحدة؟ عن هذا وذاك يجيب الكتاب.
مؤلف كتاب كيف نقاضي إسرائيل؟ المقاضاة الدولية لإسرائيل وقادتها على جرائمهم بحق الفلسطينيين
د. سعيد طلال الدهشان: مواطن فلسطيني ولد في مدينة غزة عام 1972م، ونال درجة الدكتوراه في حقوق الإنسان من جامعة الجنان بلبنان عام 2016، ودرجة دكتوراه أخرى في القانون الدولي من جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا عام 2019. استُشهد وعائلته على إثر قصف إسرائيلي في أكتوبر 2023م. نشر عدة كتب وأوراق بحثية منها:
التوارث الدولي للمعاهدات في فلسطين في حال زوال “دولة إسرائيل”.