طفل مرفوض
طفل مرفوض
ينزعج المرء حين ينتابه الشك في البديهيات فتنهار الثوابت وتفقد مصداقيتها، ومما لا يصدقه عقل أن ترفض أم وليدها، فالأم من طبعها أن تفيض بالحب والحنان بلا مقابل، هكذا خلقها الله من أجل استمرار الحياة، ومن شذَّت عن هذه القاعدة فهي أم عاشت سلسلة من الصدمات والآلام.
والارتباط بين الأم والطفل حاجة متبادلة تستمد منها الأم ذاتها كما يستمد منها الطفل حاجاته البيولوجية والنفسية، وقد ترفض الأم ابنها وتهمله منذ لحظة الميلاد، وقد يؤدي اضطراب علاقة الطفل بأمه خصوصًا في السنوات الأولى إلى الاضطراب العاطفي والانفعالي والسلوكي للطفل، ففي الوقت الذي تمنحه فيه الأم حنانها واهتمامها، فإنها في نفس الوقت تساعده على تكوين شخصية سوية، وبعض الآباء يعجزون عن إعطاء الحب لأطفالهم مما يعرض الطفل لقسوة شديدة تدمي الجسد والنفس، والغريب أن ذلك الطفل المنبوذ من أمه يزداد تعلقًا بها رغم ما يتعرض له من القسوة والإيذاء.
إن الأم ليست مبيضين ورحمًا ولكنها كيان أنثوي يتبعه صفات ودور معين، وإذا فقدت المرأة هذه الصفات أو توهمت شعور النقص فإن ذلك يؤدي إلى شعورها باضطراب، ويتلخَّص الدور الأنثوي في قدرتها على العطاء ولا يكتمل إحساسها بأنوثتها إلا حين تؤدي هذا الدور، واضطراب الإحساس بأنوثتها يؤدي إلى خلل وظيفتها كأنثى، فتشعر بالنفور من طفلها وترفضه وقد تكون مشاعر الرفض للأبناء نتيجة رفض الزوج لها فتعكس ذلك على الأبناء مما يدفعها إلى سلوك لا ترضى عنه ولا تستطيع أن تقاومه فتستسلم له ثم تندم عليه، وقد ترفض الأم الطفل الذي جاء بعد وفاة الطفل السابق له، لذا يجب أن تتمهَّل الأم حتى تختفي مشاعر الأسى.
وبعض الأمهات تريد أن تبدو كاملة أمام الناس بأن تتزوَّج وتنجب ولكن دون أن يؤثر في طموحها وذاتها، فينشأ صراع بين احتياجات الطفل وطموح الأم فتنزعج بطلبات الطفل الملحة التي تعوقها عن اهتماماتها الشخصية مما يؤدي إلى رفض الطفل، وهذه الأم الرافضة لأبنائها تحتاج إلى مساعدة لتعرف مصدر مشاعرها السلبية تجاه أبنائها وتتعرَّف على صعوبات الماضي واحتياج الحاضر وتتعرَّف على مصادر شقائها في حاضرها، وترى أطفالها بعيدًا عن متاعب الماضي وآلام الحاضر.
الفكرة من كتاب امرأة في محنة
المرأة كالطفل إما أن تعبر عن نفسها على نحو مباشر، وإما أن تكتم مشاعرها وتظهرُ عليها أعراض أخرى كاضطراب النوم أو الطعام أو اختلال السلوك، ومن تلك المواقف الصعبة التي من الممكن أن تواجهها المرأة فقد الشريك أو الطلاق أو الزواج الثاني، وقد تتعرَّض لصدمات في طفولتها فتؤثر في علاقتها بزوجها وأطفالها.
يحاول الكاتب أن يتناول كل تلك القضايا وأثرها في المرأة، فالطب النفسي لا يناقش السلوك الإنساني من منظور أخلاقي قيمي، كما أنه لا يبحث عن المبررات الاجتماعية ليفسر السلوك ولا يقتصر على التأثير المباشر في مشكلات الإنسان المعاصر، بل ينظر إلى سنوات التكوين الأولى ومؤثرات البيئة في مراحل النمو المختلفة والعامل الوراثي، فيتعامل مع كل إنسان كوحدة مستقلة وكيان خاص وقيمة متفردة.
مؤلف كتاب امرأة في محنة
عادل صادق: طبيب نفسي، ولد عام 1943م بمحافظة القاهرة، وعرف بالتفوق والالتزام وبشخصيته الكاريزمية القيادية، حصل على زمالة الكلية الملكية للأطباء النفسيين بلندن عام 1984م، نال جائزة الدولة في تبسيط العلوم عام 1990م، توفي عام 2004م، من أشهر مؤلفاته: “الألم النفسي والعضوي”، و”سيناريو الحياة” و”حكايات نفسية”.