سلطة الفَقْد
سلطة الفَقْد
لا يستلزم خضوع الفرد سلطةً خارجية، بل أحيانًا يستعبده موضوع معنوي ما، يكون الفشل فيه بمنزلة ضربة محبطة للذات والنفس، فمثًلا إذا رغبت الذات في إشباع رغبتها في الحب، وفشلت ثم انقلبت النفس على نفسها، منتجةً الكراهية والأنا تعويضًا لفقدان الموضوع، ومع كل فَقْدٍ يَنتج رد فعل حزين عميق يؤسس للذات، فيخفض من تقدير الذات تدريجيًّا، فيتقبل الفرد الإهانات والخيبات بصدر رحب، تأكيدًا لاستحقاق الذات لهما.
وتعبر ردة الفعل تلك عن عجز الذات عن التعامل مع الواقع البراني، وتقبل الفقد والحزن دون تحويلهما إلى واقع داخلي، ويقسّم فرويد الفقد والحزن نوعين، النوع الأول يسميه الحداد، وهو فقْد لشخص أو قيمة متمثلة في شخص ما، أما النوع الثاني فهو الميلانخوليا، وفيه يعرف المرء هوية الفقد ولكن يجهل ماهيته، لأنه يفقد تمثيل الموضوع في وعيه، لا الموضوع نفسه، أي شحنته النفسية، وتدرك الذات تلك الأمور عند مقارنة الأنا بالأنا المثالية، فترى القيم العليا المستَمدَّة من الخارج سواء كانت اجتماعية أم دينية، لتظهر لها الفجوة المؤلمة.
إذا كانت المثل العليا تخبرنا أي الأمور جدير بالحزن فهي تغذي التوبيخ الذاتي، وتوجه الكراهية النفسية ناحية أمور بعينها، بينما تتجاهل أمورًا أخرى حُكم عليها بعدم الأهمية، وتظل الذات غير قادرة على التخلي عن الموضوع أو تغيير مُثلها، رغم تصريحها باستمرار بأن الموضوع فقد أهميته عندها، هذا ما يعنيه تحول الأنا إلى موضوع الفقد، ويصنف فرويد الميلانخوليا اضطرابًا نرجسيًّا، بينما يضع الحداد معاكسًا للنرجسية، ويحذر تأثيرهما الذي يمكن أن يصل إلى حد الدفع إلى الموت.
الفكرة من كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
غالبًا لم ينشغل أحد بالمجالات السياسية والاجتماعية والفكرية دون أن يحتكّ بمفهوم السلطة، فعلاقتها بالأفراد وتأثيراتها فيهم لا يمكن تجاهلها، بل قد يرجع إليها النصيب الأكبر في طريقة رؤية الأفراد لأنفسهم وللعالم، وكيفية تصرفهم.
وبين أيدينا أحد هذه الكتب، يجمع في تحليله بين تجليات فرويد ونيتشه وفوكو، غير أنه يمتاز من غيره بنظرته الفريدة إلى السلطة، فهو لا يحصرها في شكل محدد، ولا يتركها خارج الفرد، بل يثبت تمددها وتغلغلها في داخله، وإعادة تشكيل ذاته، فكيف يحدث ذلك؟ ولماذا نقبل تعرضنا للإخضاع من قبل السلطة؟ وما أشكالها؟ وهل يمكن لنا أن نقاومها أم إنها معركة محكوم عليها بالفشل؟
مؤلف كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
جوديث بَتلر: فيلسوفة ومُنظّرة اجتماعية أمريكية، ولدت في عام 1956م، وحصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الأخلاق من جامعة ييل في عام 1984م، وتدرجت لاحقًا في التدريس في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، واكتسبت سمعة كبيرة بفضل أفكارها النظرية المبتكرة.
وتعد من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في المدرسة النظرية الفلسفية المعروفة باسم “المادية الثقافية”، التي تركز على العلاقات الاجتماعية والثقافية ودورها في صناعة الهوية والسلطة. كما نشرت بَتلر عديدًا من الكتب المؤثرة في مجال الفلسفة والنظريات الاجتماعية، من أهمها:
قوة اللا عنف.
الذات تصف نفسها.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.
قلق الجندر.. النسوية وتخريب الهوية.
معلومات عن المترجمة:
نور حريري: باحثة ومترجمة سورية، تركز في عملها على الفلسفة بصورة خاصة، وتؤمن بأهمية حضور الفلسفة في مجالات غير أكاديمية مثل الصحافة والإعلام، حصلت على بكالوريوس في الفلسفة والدراسات الأمريكية، وماجستير في الفلسفة من جامعة جوته في ألمانيا.
سُبل النعيم.
قوة اللا عنف.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.