تذويت السجن والنظام الاجتماعي
تذويت السجن والنظام الاجتماعي
لدى الفيلسوف الفرنسي فوكو تحليل مثير للاهتمام عن السجن، يدّعي فيه أنه يمكن تذويت السجن، أي صنع الذات والنفس بطريقة تصبح فيها سجنًا للجسد لا العكس، عن طريق ممارسات قمعية مثل المراقبة والاعتراف والتنظيم، لمقاربة الذات للنموذج المثالي للفرد المطيع للسلطة، ولكن كيف نفسر المقاومة النفسية للتطبيع مع السجن الذاتي؟ يجيبنا فوكو عن طريق الروح، التي تعد أداة قوة تشكل الجسد،رغم كونها وسيلة ناقلة للسلطة الخارجية إلى داخل الفرد، بالإضافة إلى تأطيرها الجسد، مما يعني أن المقاومة نتيجة حتمية للسلطة ذاتها.
كما يرى فوكو أن القانون يشكّل ويدعم الرغبة التي يحظرها، إلى جانب الإحباط والقمع أيضًا، ويدعم فرويد تلك النظرة السوداوية، بل ويعطي أسبقية للقمع، فهو الوضع الطبيعي للتنظيم الاجتماعي المشكل للنفس ورغباتها، فبعض مكونات التنظيم الاجتماعي مثل: الشركات والحكومات والتعليم، بيدها إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، ومنح وتوزيع المهارات، وهو ما يعيد إنتاج الخضوع لقواعد أيديولوجية معينة، ومع تكرار السلوكيات والمهارات تصطبغ طقوسها بصبغة دينية مقدسة ذات بعد نفسي وشعوري.
ومما لا يستهان به في بيئة التنظيم الاجتماعي، القدرة على عصر الأفراد وإجبارهم على ممارسات معينة، لمنح هوياتهم أو ذواتهم الاعتراف، مما يعني وقوع الفرد في تبعية اجتماعية تحت شروط معينة قهرية، قد تُختزل فيها هوايتهم إلى بعض مكوناتها الجسدية أو النفسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُعرّف السود في المجتمعات الأوربية بألوانهم فقط، والشواذ بميولهم السلوكية فقط، وتنطبق الفكرة نفسها على أصحاب الأمراض والاضطرابات النفسية.
الفكرة من كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
غالبًا لم ينشغل أحد بالمجالات السياسية والاجتماعية والفكرية دون أن يحتكّ بمفهوم السلطة، فعلاقتها بالأفراد وتأثيراتها فيهم لا يمكن تجاهلها، بل قد يرجع إليها النصيب الأكبر في طريقة رؤية الأفراد لأنفسهم وللعالم، وكيفية تصرفهم.
وبين أيدينا أحد هذه الكتب، يجمع في تحليله بين تجليات فرويد ونيتشه وفوكو، غير أنه يمتاز من غيره بنظرته الفريدة إلى السلطة، فهو لا يحصرها في شكل محدد، ولا يتركها خارج الفرد، بل يثبت تمددها وتغلغلها في داخله، وإعادة تشكيل ذاته، فكيف يحدث ذلك؟ ولماذا نقبل تعرضنا للإخضاع من قبل السلطة؟ وما أشكالها؟ وهل يمكن لنا أن نقاومها أم إنها معركة محكوم عليها بالفشل؟
مؤلف كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
جوديث بَتلر: فيلسوفة ومُنظّرة اجتماعية أمريكية، ولدت في عام 1956م، وحصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الأخلاق من جامعة ييل في عام 1984م، وتدرجت لاحقًا في التدريس في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، واكتسبت سمعة كبيرة بفضل أفكارها النظرية المبتكرة.
وتعد من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في المدرسة النظرية الفلسفية المعروفة باسم “المادية الثقافية”، التي تركز على العلاقات الاجتماعية والثقافية ودورها في صناعة الهوية والسلطة. كما نشرت بَتلر عديدًا من الكتب المؤثرة في مجال الفلسفة والنظريات الاجتماعية، من أهمها:
قوة اللا عنف.
الذات تصف نفسها.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.
قلق الجندر.. النسوية وتخريب الهوية.
معلومات عن المترجمة:
نور حريري: باحثة ومترجمة سورية، تركز في عملها على الفلسفة بصورة خاصة، وتؤمن بأهمية حضور الفلسفة في مجالات غير أكاديمية مثل الصحافة والإعلام، حصلت على بكالوريوس في الفلسفة والدراسات الأمريكية، وماجستير في الفلسفة من جامعة جوته في ألمانيا.
سُبل النعيم.
قوة اللا عنف.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.