المقاومة النفسية للقابلية النفسية للخضوع
المقاومة النفسية للقابلية النفسية للخضوع
تكمن مشكلة المقاومة النفسية في قابليتنا للتأثر بانتهاكات السلطة، فالقمع أو التعذيب أو السجن وسائل لإعادة تشكيل ذواتنا تحت ظروف جديدة تضمن استمرارية السلطة الخارجية، وتزداد المقاومة صعوبة على المستوى الاجتماعي، الذي لا سبيل لنيل اعترافه وبعده الوجود إلا التبعية للسلطة، التي يمكن تلخيص جوهر دورها في إخضاع الرغبات، لنجد أنفسنا ندور بين إخضاع رغبتنا ورغبتنا في الإخضاع، ومع تراكم الرغبات المكبوحة تظهر الذات الانعكاسية، التي ستحب الظروف الجديدة التي تشكلت فيها، وتعشق الإخضاع عشقًا كاملًا، بل وتدافع عنه بصفته وسيلة لمنحها التميز الذاتي.
وهذا يفسر ميل الذات إلى تكرار أشكال السلطة، فحتى إذا غابت يُستبدل بها صوت داخلي، أو ضمير مثقل بالذنب والآلام، لتحافظ على استمرارية رابط التبعية، وليس على السلطة الخارجية، ما يجعل الذات تتبدل باستمرار بين دور المطَارِد والمطارَد، في حياتنا اليومية البسيطة، التي تتخذ جميع مظاهرها صورًا للتعبير عن ثنائية السلطة والخاضع، حتى على المستوى اللُّغوي وطريقة تحدث الأفراد بعضهم مع بعض، فهو المجال الذي تُغَذّى فيه الذات الاجتماعية وتمنح الاعتراف بالوجود.
وإذا نظرنا إلى السياسات الحديثة للدول، فسنجدها تستغل تلك القابلية النفسية للخضوع، مستهدفةً في خطابها للأفراد ما يسمى بالاستجواب، أي الضغط على الجهات المشكلة للذات، وتحميلها الذنب والمسؤولية عن الأحوال والأحداث، لتُهرَع الذات إلى السلطة وتتبنى تفاسيرها، وتلتصق بها في خضوع لتأمن، من دون الحاجة إلى قمع مادي مباشر، ومع الأسف فإن التحرر من السلطة بعد ذلك لا يكفي لتشكيل ذات حرة جديدة، أو أفراد غير خاضعين.
الفكرة من كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
غالبًا لم ينشغل أحد بالمجالات السياسية والاجتماعية والفكرية دون أن يحتكّ بمفهوم السلطة، فعلاقتها بالأفراد وتأثيراتها فيهم لا يمكن تجاهلها، بل قد يرجع إليها النصيب الأكبر في طريقة رؤية الأفراد لأنفسهم وللعالم، وكيفية تصرفهم.
وبين أيدينا أحد هذه الكتب، يجمع في تحليله بين تجليات فرويد ونيتشه وفوكو، غير أنه يمتاز من غيره بنظرته الفريدة إلى السلطة، فهو لا يحصرها في شكل محدد، ولا يتركها خارج الفرد، بل يثبت تمددها وتغلغلها في داخله، وإعادة تشكيل ذاته، فكيف يحدث ذلك؟ ولماذا نقبل تعرضنا للإخضاع من قبل السلطة؟ وما أشكالها؟ وهل يمكن لنا أن نقاومها أم إنها معركة محكوم عليها بالفشل؟
مؤلف كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
جوديث بَتلر: فيلسوفة ومُنظّرة اجتماعية أمريكية، ولدت في عام 1956م، وحصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الأخلاق من جامعة ييل في عام 1984م، وتدرجت لاحقًا في التدريس في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، واكتسبت سمعة كبيرة بفضل أفكارها النظرية المبتكرة.
وتعد من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في المدرسة النظرية الفلسفية المعروفة باسم “المادية الثقافية”، التي تركز على العلاقات الاجتماعية والثقافية ودورها في صناعة الهوية والسلطة. كما نشرت بَتلر عديدًا من الكتب المؤثرة في مجال الفلسفة والنظريات الاجتماعية، من أهمها:
قوة اللا عنف.
الذات تصف نفسها.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.
قلق الجندر.. النسوية وتخريب الهوية.
معلومات عن المترجمة:
نور حريري: باحثة ومترجمة سورية، تركز في عملها على الفلسفة بصورة خاصة، وتؤمن بأهمية حضور الفلسفة في مجالات غير أكاديمية مثل الصحافة والإعلام، حصلت على بكالوريوس في الفلسفة والدراسات الأمريكية، وماجستير في الفلسفة من جامعة جوته في ألمانيا.
تدير مجلة “رواق ميسلون” للدراسات الثقافية والسياسية، كما تعد وتقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية المختلفة، منها بودكاست “فضاءاتهن” الذي يناقش قضايا الفلسفة النسوية، وبودكاست “كلام في الفلسفة” الذي يناقش موضوعات فلسفية وعلمية في صحيفة “العربي الجديد”، وبرامج تلفزيونية مختلفة في قناة “يو تي في | UTV” حيث تستضيف وتحاور شخصيات ثقافية وسياسية متنوعة، ومن أعمالها الترجمية:
سُبل النعيم.
قوة اللا عنف.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.