السلطة تشكّل الذات
السلطة تشكّل الذات
اعتدنا النظر إلى الإخضاع على أنه قادم من مصدر خارجي، فالسلطة -أيًّا كان شكلها- تفرض على الفرد أغراضها، وتخضعه تحت سيطرتها لتنفيذ ما تريد، ولكننا تجاهلنا الدور الداخلي النفسي الذي تلعبه تلك السلطة الخارجية، فتأثيرها لا يقف عند حدود الخارج، بل يمتد ليصل إلى داخل الفرد، لتلعب دورًا أساسيًّا في تشكيل ذاته، أي ما يكونه، لنتفاجأ بأن الفرد يعيد إنتاج تأثير السلطة الخارجية باستمرار، فحتى عندما تغيب أو تضعف، فإن الفرد يحل محلها، ويحافظ على صورتها القوية.
لكن ما الذي يجبره على ذلك؟ أليس من المفترض إذا ضعفت قيوده المكبِّلة أن يكسرها ويندفع إلى الحرية؟
ما يمنعه هو ارتباطه العاطفي بالسلطة، فمن خصائص الذات أنها تنشأ تحت ظل علاقة تبعية، ولهذا يظل الفرد موجودًا ما دامت تبعيته للسلطة، وهو ما يدفعه إلى حماية ذلك الخضوع، وإعادة إنتاجه، ولكونه عاجزًا عن ابتداع تعريف لذاته، يعتمد الفرد على السلطة لتمنحه تعريفها الخاص، ثم يتبناه ويكرره لجعله ممكنًا.
وهذا يضعنا في حَيْرة كبيرة، هل السلطة نمط خارجي سابق لوجود الذات والأفراد، أم إنها نتيجة مقصودة من صنع وإنتاج الذات؟ في الحقيقة يحيط بإجابة ذلك السؤال عديد من الإشكالات، التي ترى السلطة مزيجًا مزدوجًا غامضًا من النمطين، ولكن السؤال الأهم ليس عن نمط السلطة الأسبق، بل عن كيفية معارضة سلطة شكّلت ذواتنا، ومن ثم صنعت معارضتنا، فكل أقوالنا وأفعالنا أضحت مروضة في ظل وجود السلطة داخلنا، مما يجعل بداية المقاومة نفسية، في محاولة فصل الذات وتعريفها ووجودها عن السلطة.
الفكرة من كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
غالبًا لم ينشغل أحد بالمجالات السياسية والاجتماعية والفكرية دون أن يحتكّ بمفهوم السلطة، فعلاقتها بالأفراد وتأثيراتها فيهم لا يمكن تجاهلها، بل قد يرجع إليها النصيب الأكبر في طريقة رؤية الأفراد لأنفسهم وللعالم، وكيفية تصرفهم.
وبين أيدينا أحد هذه الكتب، يجمع في تحليله بين تجليات فرويد ونيتشه وفوكو، غير أنه يمتاز من غيره بنظرته الفريدة إلى السلطة، فهو لا يحصرها في شكل محدد، ولا يتركها خارج الفرد، بل يثبت تمددها وتغلغلها في داخله، وإعادة تشكيل ذاته، فكيف يحدث ذلك؟ ولماذا نقبل تعرضنا للإخضاع من قبل السلطة؟ وما أشكالها؟ وهل يمكن لنا أن نقاومها أم إنها معركة محكوم عليها بالفشل؟
مؤلف كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
جوديث بَتلر: فيلسوفة ومُنظّرة اجتماعية أمريكية، ولدت في عام 1956م، وحصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الأخلاق من جامعة ييل في عام 1984م، وتدرجت لاحقًا في التدريس في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، واكتسبت سمعة كبيرة بفضل أفكارها النظرية المبتكرة.
وتعد من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في المدرسة النظرية الفلسفية المعروفة باسم “المادية الثقافية”، التي تركز على العلاقات الاجتماعية والثقافية ودورها في صناعة الهوية والسلطة. كما نشرت بَتلر عديدًا من الكتب المؤثرة في مجال الفلسفة والنظريات الاجتماعية، من أهمها:
قوة اللا عنف.
الذات تصف نفسها.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.
قلق الجندر.. النسوية وتخريب الهوية.
معلومات عن المترجمة:
نور حريري: باحثة ومترجمة سورية، تركز في عملها على الفلسفة بصورة خاصة، وتؤمن بأهمية حضور الفلسفة في مجالات غير أكاديمية مثل الصحافة والإعلام، حصلت على بكالوريوس في الفلسفة والدراسات الأمريكية، وماجستير في الفلسفة من جامعة جوته في ألمانيا.
تدير مجلة “رواق ميسلون” للدراسات الثقافية والسياسية، كما تعد وتقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية المختلفة، منها بودكاست “فضاءاتهن” الذي يناقش قضايا الفلسفة النسوية، وبودكاست “كلام في الفلسفة” الذي يناقش موضوعات فلسفية وعلمية في صحيفة “العربي الجديد”، وبرامج تلفزيونية مختلفة في قناة “يو تي في | UTV” حيث تستضيف وتحاور شخصيات ثقافية وسياسية متنوعة، ومن أعمالها الترجمية:
سُبل النعيم.
قوة اللا عنف.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.