أبيض أم أسود؟
أبيض أم أسود؟
في عام ٢٠١٥م تصارعت مختلف الفئات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يكن ذلك بسبب حدث كارثي ما، وإنما كان السبب هو لون لباس ما، نعم مجرد لون، إذ ظهرت صورة لملابس اختلف الناس في تبين لونها، اختارت مجموعة منهم اللون الأسود، أما المجموعة الأخرى فأصرت على أن الأبيض هو اللون الصحيح، وتصاعد الصراع بين الطرفين لدرجة أن جامعة نيويورك درست الظاهرة، وأوضحت نتائج هذه الدراسة أن الطرفين على حق، وأن صورة اللباس ليست مصممة بلون معين، وإنما يتم تلقي اللون وتفسيره في المستقبلات بالدماغ البشري، وهو ما يعني أن نظرة كل مجموعة كانت مميزة ومتعلقة بتجربتها البشرية.
وهذه الظاهرة سلطت الضوء على واحدة من أهم صفات واقعنا، وهي المنظور، ونعني به كيفية تلقي الفرد للعالم، ويشمل أفكاره الخاصة المتعلقة بذاته ومن حوله، والمنظور ذاتي المنشأ إذ يرتبط بتجارب الشخص الفردية وخبراته والأحداث التي شكلت حياته، فحتى لو اتفق شخصان في كل أفكارهما، فلن يتطابق منظوراهما، ووعينا بهذه الحقيقة يجعلنا أكثر تساهلًا وقبولًا لاختلافات الآراء والأفكار، فبسبب اختلافنا هذا ظهرت الأذواق، فما قد يعجبك قد لا يعجب غيرك، وهو ما يعني أن تجربة مميزة في انتظارك دائمًا حين تتشارك مع شخص مختلف عنك حوارًا إيجابيًّا.
ولا تخلو الحوارات الإيجابية من الخلافات، لكنها تتعامل معها بشكل مختلف عن الحوارات السلبية وغير المتحضرة، وجود الاختلاف لا يكسر قواعد الحوار التي وضعناها سابقًا، فيجب عليك أن تستمع للطرف الآخر وتحاول تبني وجهة نظره حتى تقيم الأفكار دون تحيزات أو أحكام مسبقة، والأهم أنك ستحافظ على مساحة الطرف الآخر وتعتذر عند مقاطعته، ولن تسخر من معتقداته، فالخلافات لا تعني أن عليك إلقاء كل قواعد الأخلاق من النافذة، ومن المهم أن نتذكر دائمًا أن الحوارات المهذبة مع من يختلفون معنا تكون مثمرة في كثير من الأحيان، فعملية الحوار لا تعني دائمًا أن يتفق الطرفان على كل كلمة.
الفكرة من كتاب أنا أقول فحسب: فن الحوار المتحضر: دليل للحفاظ على تواصل مهذب في عالم منقسم بشكل متزايد
“حسنًا أنا على حق! لقد هزمتهم في النقاش، وجهة نظري دائمًا صائبة!”، أريدك أن تفكر يا صديقي في آخر عدة نقاشات خُضتها، وأخبرني.. هل فكرت في هذه الجمل أو حتى صرّحت بها في نهاية النقاش؟ إذا أجبت بـ”نعم” فهذا يعني أنك لم تخُض نقاشات إيجابية، وإنما دخلت مصارعة بنية الفوز، ولم تستمع لغير كلماتك وأفكارك الخاصة.
ولا داعي إلى القلق، إذ يدل وجودك هنا على اهتمامك بحل هذه المشكلة، فدعني أصطحبك في رحلة قصيرة تعرف فيها قواعد الحوار المتحضر، فما الحوار المتحضر إذًا؟ وهل للفوز أهمية؟ وكيف تكون مستمعًا جيدًا؟ وأخيرًا كيف تخلق مساحة حوار مشتركة مع الأشخاص المختلفين؟ يجيب كتابنا عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير.
مؤلف كتاب أنا أقول فحسب: فن الحوار المتحضر: دليل للحفاظ على تواصل مهذب في عالم منقسم بشكل متزايد
ميلان كوردستاني: رائد في مجال الأعمال، ومدافع عن البيئة، إذ تمحورت دراسته حول تأثير البشر في الأنظمة البيئية، وهو ما دفعه إلى البحث عن حلول جماعية باستخدام الحوار المجتمعي، ولذلك حوّل تركيزه إلى تشجيع الجيل القادم على إيجاد المساحات المشتركة التي تسمح للجميع بالمشاركة في عملية التغيير الإيجابي، وأنشأ ميلان منظمات عدة تسعى إلى تقديم حلول مستدامة عبر تحسين عملية الخطاب المدني وتنمية الثقافة العامة.
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.