أسطورة الجمال وعلاقتها بالمخمصة والعنف
أسطورة الجمال وعلاقتها بالمخمصة والعنف
من الأمراض المنتشرة التي تدمر الشباب مرض “المخمصة أو التضور جوعًا”، فمن يمسهم هذا المرض يعرضون عن الطعام بحيث تبرز عظامهم بسبب انحسار اللحم من عليها، كأنهم هياكل ميتة تمشي على الأرض. إن المصابين بالمخمصة لا يأكلون من الطعام إلا حبيبات صغيرة جدًّا، ويشربون الحليب المنزوع الدسم، ويُنقل كثير منهم إلى المستشفى ويموت كثير منهم. مثل هؤلاء الشباب تنعدم شهوتهم الجنسية، ويكادون لا يستطيعون التحدث بصوت مرتفع، ولا يستطيعون تحمل أدنى جهد بدني، وإذا قرر أحدهم أن يمارس طبيعته البشرية ويأكل قطع اللحم والولائم في إحدى الحفلات، فإنه يتوارى عن الأنظار ليتقيأ كل ما أكله من طعام وغذاء؛ أدمغتهم مبرمجة ومدربة تدريبًا عاليًا على الشعور بالعار من الفم والمرحاض، الأكل والإخراج!
تُعد المخمصة اضطرابًا نفسيًّا يُعرف باسم “القَهم العُصابي” الذي يتسم بنقص شديد في تناول الطعام بسبب الخوف من زيادة الوزن، أو التقيؤ بعد تناول الطعام مباشرة، وتشير الدراسات إلى أن كثيرًا من الطلبة والطالبات الأمريكيين أسرى لمعسكرات التجويع الذاتية تلك، كما تصاب مليون امرأة أمريكية سنويًّا بهذا الاضطراب، وهو من أكثر الاضطرابات التي تنتج عنها الوفاة. إن انتشار المخمصة واضطراب القهم العصابي يرجع في أصله إلى رغبة النساء في نحت أجسادهن، والنفي المطلق للحالة الأنثوية، فقبل الخمسينيات من القرن الماضي، كان امتلاء المرأة دليلًا على الأنوثة والجاذبية، لكن بعد دخول المرأة إلى سوق العمل في الستينيات ومزاحمة الذكور استُبدل الشكل الخطي النحيل للجسم بالشكل الممتلئ المتعرج الأنثوي، وأصبحت المرأة في العقود التالية حتى يومنا هذا منزوعة الأنوثة، لها شكل عضلات الرجال وملمسها بدلًا من شكل النساء وملمسهن، وقد ترتب على ذلك اجتياح موجة من الكراهية الذاتية لجميع نساء العالم.
إن الأمراض النفسية والجسدية التي تصيب النساء بسبب البحث المستمر عن الجمال المثالي ليس لها أهمية كبيرة عندهن، لاعتقادهن أن المجتمع يفضل مكافأة الجمال الخارجي على الصحة الداخلية. إن ثلث حياة المرأة متعلق بالشيخوخة، وقرابة ثلث جسدها مصنوع من الدهون، ويُحول كلا الرمزين إلى حالات مرضية يجب أن تخضع للجراحة، وهو ما يؤكد أن الوزن المثالي وأسطورة الجمال لا تتعلق بالمرأة، بل تتعلق بـ”الربح”، فصناعة جراحة التجميل من أسرع التخصصات الطبية نموًّا حول العالم، وتحقق مليارات الدولارات سنويًّا، لذا عملت هذه الصناعة دائمًا على الحفاظ على أرباحها من خلال تشويه صورة الذات لدى الإناث ومضاعفة الكره الذاتي لديهن، فإذا توقفت المرأة عن الشعور بالقبح، فإن التخصص الطبي الأسرع نموًّا سيكون الأسرع موتًا.
الفكرة من كتاب أسطورة الجمال.. كيف تستخدم صور الجمال ضد النساء؟
تُناقش المؤلفة في هذا الكتاب معايير الجمال غير الواقعية التي تلهث وراءها النساء، وتشير إلى أن البحث الحثيث وراء الجمال زاد بشدة نتيجة تأثير وسائل الإعلام، وتبين أن ذلك يشكل ضغوطًا كبيرة على النساء والرجال معًا وهو ما يؤدي إلى تصرفات غير سليمة واهتمام مبالغ فيه، وتستعرض آليات عمل أسطورة معايير الجمال في العمل والمجالات الإعلامية، وتوضح أن معايير الجمال الخرافية التي تركض وراءها النساء تعمل على إضعافهن نفسيًّا وجسديًّا، وتسلب رضاهن عن أنفسهن وتقديرهن لذواتهن، كما أنها تشكل عنفًا، النساء أنفسهن مسؤولات عنه.
مؤلف كتاب أسطورة الجمال.. كيف تستخدم صور الجمال ضد النساء؟
نعومي وولف: كاتبة سياسية، وكاتبة غير روائية أمريكية، عملت مستشارة سياسية لآل جور وبيل كلينتون. من مؤلفاتها:
Promiscuities: The Secret Struggle for Womanhood
The End of America: Letter of Warning to a Young Patriot
Facing the Beast: Courage, Faith, and Resistance in a New Dark Age
معلومات عن المترجم:
إدريس محمود نجي: مترجم لعدد من الكتب والمقالات. من ترجماته:
الضمير وأعداؤه.. مواجهة عقائد العلمانية الليبرالية.
ممهدات الإلحاد الجديد.. صعود التطرف العلماني.