من الهندسة إلى الطب.. غلبة الجمعية!
من الهندسة إلى الطب.. غلبة الجمعية!
لكل مجتمع عوامل ثقافية تحدد طبيعته وسماته، وأول العوامل الثقافية التي تؤثر في المجتمع السعودي الجمعية مقابل الفردية، وطبقًا لهذا العامل تنقسم المجتمعات ما بين الثقافة الجمعية وفيها ينغمس الفرد داخل جماعته، والثقافة الفردية وفيها يعبر الفرد عن ذاته بشكل حر متجاوزًا مجتمعه، ودعنا نتساءل إلى أي القطبين ينتمي المجتمع السعودي؟ ربما وبشكل تلقائي تجيب الآن: “جمعي بلا شك” وهذا صحيح فعلًا، فيكفي أن السؤال الأول في أي لقاء بين شخصين يكون: “من أي جماعة أنت؟” وذلك لأن في الثقافة الجمعية لا يُدرك الشخص إلا من خلال جماعته، ونجد الجمعية حاضرة في صور شتى داخل المجتمع السعودي منها أن شعور الفرد بذاته يمتد إلى جماعته، فيعنيه ما يعنيهم ويشرفه ما يشرفهم ويخزيه ما يخزيهم، وهكذا تتداخل الأنا مع النحن حتى دون إدراك الفرد.
كذلك من أهم صور الجمعية تبني الفرد أهدافًا تنسجم مع أهداف جماعته، وإذا حدث وتعارضت أهدافه مع أهداف الجماعة فعلى الأغلب سيتنازل عنها لصالح الجماعة، وتفسير هذا نجده في اتساع دائرة الخصوصية في الثقافة الجمعية، فلا يوجد شيء يخص الفرد وحده بل الشأن دائمًا للجماعة كلها، والأمر لا ينتهي إلى هنا وإنما نجد الجمعية تتداخل مع سلوك الفرد، فهو لا يتصرف حسب اتجاهاته الخاصة وإنما يتبع المعايير الاجتماعية المتوقعة منه، وعند الخروج عن هذه المعايير يُقابل الفرد بالعقاب والنبذ الاجتماعي، وللآخرين أهمية كبيرة في الثقافة الجمعية لأنها تعتمد عليهم في الأساس، وبهذا يصبح الرادع الأساسي للفرد هو العار أو السمعة، وعليه يشكل الفرد نفسه على الصورة التي ترضي الآخرين، خشية النقد وحرصًا على ترك الانطباع المرغوب لدى الآخرين.
وإذا انتقلنا من الصور العامة إلى دوائر بعينها مثل الأسرة، سنلاحظ الجمعية في تعزيز السمع والطاعة للوالدين والاعتماد على الأسرة والتزام الأكبر برعاية الأصغر وانتشار الأسر الممتدة لأكثر من جيل ووجودهم في مسكن واحد، ومن الأسرة إلى المدرسة حيث تستمر سمات الجمعية في التعامل مع الفصل كمجموعة واحدة، وكون المدرس هو الذي يعرف كل شيء ولا بد أن يُطاع بلا مناقشة، كما يُعد القبول الاجتماعي هو الدافع للحصول على الشهادات العلمية، وفي جانب الأعمال تؤدي الجمعية إلى انتشار المحاباة والواسطات والاعتماد على العلاقات في إنجاز المهام حتى وإن كان ذلك على حساب النظام والقوانين.
الفكرة من كتاب في الشخصية السعودية: العوامل والمحددات ما بين الحنظل والشهد الجزء الأول
هل سبق ورأيت من يعشق الرياضيات ويتمنى أن يصير مهندسًا ولكن ينتهي به المطاف إلى كلية الطب حيث رغبة أسرته؟ وهل سبق وشكا لك زميل من مديره في العمل وكيف يعامله باستعلاء وتسلط؟ ولعلك سمعت أيضًا عن كثيرين آخرين غير راضين عن عملهم ولكنهم لا يتجرؤون على تركه خوفَ ألا يجدوا غيره، وأظن أنه لا تغيب عنك لهفة الأب على مولود ذكر يحمل اسمه ويمد في أثره.. هل تشعر أني أطرح عليك أمرًا من الشرق وآخر من الغرب؟ حسنًا، أمامك دقائق قليلة وستعرف خلال رحلتك في هذا الكتاب الرابط الذي يجمع هذه الأمور معًا وما دلالته في المجتمع السعودي!
مؤلف كتاب في الشخصية السعودية: العوامل والمحددات ما بين الحنظل والشهد الجزء الأول
د. عبد الله الرويتع: حاصل على بكالوريوس وماجستير في علم النفس من جامعة الملك سعود، كما حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس من جامعة نوتنجهام ببريطانيا، عمل مختصًّا نفسيًّا في مستشفى الصحة النفسية بالرياض وشغل منصب أستاذ علم النفس في جامعة الملك سعود. من مؤلفاته:
علم النفس في حياتنا اليومية.
المفكر والمعايشة.