مرحلة صدر الحداثة: أعمال شكسبير نموذجًا
مرحلة صدر الحداثة: أعمال شكسبير نموذجًا
ذَكَرَ «شكسبير | Shakespeare» الشائعات في عدة مواضع، أبرزها وَرَدَ في مسرحية «هَملِت | Hamlet» وتحديدًا بعد مشهد المناجاة، حين تحدث إلى محبوبته «أوفيليا» حديثًا ظل يُهينها فيه، وهددها إن تزوجت بأنه سيَلْحَق بها الإفك حتى لو كانت عفيفة طاهرة، وألحق ذلك بقوله: “فلتذهبي إلى الدير”، ويُشيرُ حديثه الجارح إلى أن العفاف والطهر لن يحمياها من القذف والافتراء، ولم يعنِ بقوله الذهاب إلى الدير أنه السبيل إلى تطهير الدنس، فكلمة الدير كان تُستَخدم في ذلك الزمن كنايةً عن بيت الدعارة، فمن خلال تلميحه بشائعة مغطاة بقناع النصيحة، عابها بأنه يريد ذهابها إلى المكان الذي تنتمي إليه (بيت الدعارة)، كما يُلاحَظ لومه لها على كونها أنثى، وغيرته من زواجها، فلمح إلى أن الفضيلة يتغلب عليها البهتان.
وفي مثال آخر، في نهاية المسرحية الهزلية «كوميديا الأخطاء | The Comedy of Errors» بعدما تلاشت الأخطاء وساد البهجة والسرور، دَعَتهُم كبيرة الراهبات إلى حفلة نميمة «Gossip Feast». فما الذي يعنيه ذلك؟ إن كلمة نميمة «Gossip» تعني في الإنجليزية القديمة أبًا روحيًّا، ثم أصبحت تدل على أحد معارف الشخص، ثم صار معناها من يخوض في لهو الحديث ويثرثر، ثم كلامًا تافهًا وشائعة باطلة.
ومن ثم فإن كلمة نميمة تعني اجتماع مجموعة من الناس لتكوين رفقة روحية أو روابط اجتماعية تتجاوز رابطة الدم، تُعزِّزها إمكانية الابتهاج بالنم، لكنها تنقلب إلى نقيض البهجة، وقد ظهر هذا التحول في العصر ما بعد الحديث لـ«الآخر الكبير»، فتحَوَّل من حفلة النميمة إلى الفيسبوك «Facebook» أو النمّبوك.
الفكرة من كتاب فلسفة القيل والقال: عن الكذب والنميمة والشائعات والمسائل ذات الصلة
إن للشائعات أثرًا بالغًا لا يخفى على أحد، وهي ظاهرة ليست حديثة العهد بالمجتمعات الإنسانية، بل هي ظاهرة قديمة طرأت عليها تغيرات بتغير المجتمع وتقدمه، ولَمَّا كان الأدب وثيق الصلة بالإنسان وحياته، فقد تطرق الأدباء في أعمالهم لهذه الظاهرة، كما تناولها الفلاسفة بالوصف والتفسير، وكذلك التحليل النفسي، ولم يغفلوا عن «الكذبة البيضاء» وعلاقتها بالثقافة. والطرح التالي يتناول الشائعات والمسائل المرتبطة بها في شكل مراحل تاريخية عَبَّرَت عنها نماذج أدبية.
مؤلف كتاب فلسفة القيل والقال: عن الكذب والنميمة والشائعات والمسائل ذات الصلة
ملادن دولار: فيلسوف ومحلل نفسي سلوفيني، تخرج في جامعة ليوبليانا بعد دراسته اللغة الفرنسية والفلسفة، كما درس في جامعتي «باريس السابعة» و«وستمنستر»، وهو أحد مؤسسي جمعية التحليل النفسي النظري، يعمل في التدريس الأكاديمي وباحث استشاري في أكاديمية «جان فان إيك»، ونشر العديد من البحوث والمقالات العلمية والكتب، ومن أعماله:
A Voice and Nothing More
Opera’s Second Death
ألكينا زوبانجج: فيلسوفة سلوفينية معاصرة، من أعلام مدرسة لوبليانا للتحليل النفسي، وأستاذة في كلية «الدراسات العليا الأوربية» وفي جامعة «نوفا جوريكا»، كما تعمل مستشارة للبحوث، وأستاذة في معهد الفلسفة التابع للأكاديمية السلوفينية للعلوم والفنون. تخرجت في جامعة ليوبليانا بعد دراستها الفلسفة، كما حصلت على درجة الدكتوراه، وهي مُحِِّررة مشارِكة ورئيسة تحرير مجلة نظرية التحليل النفسي والفلسفة والدراسات الثقافية، ومن مؤلفاتها:
Let Them Rot: Antigone’s Parallax
The Odd One In: On Comedy
معلومات عن المترجم:
طارق عثمان: باحث ومترجم مصري، تتمركز اهتماماته حول الفلسفة المعاصرة والعلوم الاجتماعية، وخصوصًا علم النفس، نشر العديد من الدراسات والمقالات العلمية، ومن ترجماته:
حاوي الثورة المصرية: دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة.
ما هي الشريعة؟