الطرابيشي
الطرابيشي
من مصنع للطرابيش بمدينة «فُوَّة» بكفر الشيخ إلى دكان صغير بمنطقة «الغورية» بالقاهرة، كانت تلك رحلة اندثار مهنة صناعة الطرابيش التي تناقلتها أجيال من عائلات عرفت بإتقانها لهذه المهنة المميزة، إذ كانت الطرابيش في ما مضى تُصنع يدويًّا وتحتاج إلى مهارة ودقة عالية، لكنها بعد ذلك أصبحت مهمة روتينية تنفذها الآلات، تزامنًا مع تراجع ارتداء الطرابيش بين الناس حتى اختفائها تمامًا، وغالب الظن أن ارتداء الطرابيش ثقافة ذات أصول تركية انتقلت إلى مصر مع الدولة العثمانية، ومع ذلك فقد استمر ارتداء الطربوش في مصر لزمن بعد انتهائه في تركيا، وقد كان الطربوش في عهد «عباس الأول» زيًّا رسميًّا لا يخرج الأفنديات والباشوات إلى الأماكن العامة دون ارتدائه، وفي مصر لا يزال الطربوش موجودًا، لكن بشكل محدود، وأُضيف قماش أبيض حوله، ليعرف بالعمامة التي يرتديها طلاب الأزهر ومشايخه، وفي ما عدا ذلك لا يظهر الطربوش المخروطي إلا في الأعمال الدرامية التي تتناول فترة من تاريخ مصر، أما خارج مصر فلا يزال الطربوش موجودًا بشكل مختلف كما في المملكة المغربية، وهو أقل ارتفاعًا من الطربوش المصري ويختلف أيضًا باختلاف المدينة والمناسبة.
وكلمة طربوش فارسية الأصل تتكون من مقطعين، «سر» وتعني: الرأس، و«بوش» ومعناها: الغطاء، فتكون «سربوش» بمعنى غطاء الرأس، وتغيرت الكلمة بانتقالها إلى غير الفارسية إلى شربوش، ثم طربوش باللغة العربية، ولا يتبقى الآن من مصانع الطرابيش إلا آخر دكاكينها بالغورية في القاهرة، ويبلغ عمر أحد هذه الدكاكين مئة وثلاثين عامًا، واسمه «الحاج أحمد محمد أحمد الطرابيشي»، وكان في أيام رواجه يوفر الطرابيش للملوك والأعيان، وصُنِعَت عنده طرابيش «الملك فاروق»، و«الملك فؤاد»، والقارئ الشيخ «عبد الباسط عبد الصمد»، والشيخ «محمد رفعت»،” والسلطان «حسين كامل»، أما الآن فقد باتت صناعة الطرابيش مهددة بالاندثار لا يبقيها سوى اقتنائها بوصفها تحفة من زمن قديم، أو زيًّا رسميًّا لطلاب الأزهر وعلمائه.
الفكرة من كتاب حاجات قديمة للبيع
مهما كُتب عن التراث المصري ومخزونه الثقافي والشعبي فلن يُعبِّر المنتمون إلى ثقافات مختلفة عنه مثلما تفعل الكتابة المحلية، ومن هنا تأتي أهمية القراءة عن مجتمع ما وفهمه من منظور شخصي، فهي القراءة الأجدر بالوصول إلى من يبحث عن خيوط الحكايات التي نسجت التراث الشعبي، وهذا الكتاب بمنزلة رحلة بين مهن للمصريين أصبحت الآن مجرد لمحات من الماضي، خَفَتَت أهميتها مع ذهاب زمانها ومعاصريها، واستحداث مهن وأعمال ومتع جديدة تلائم تغير الزمان، سنطلع على بعض هذه المهن وطبيعة نشأتها وأهميتها وكيف اختفت أو أضحت على وشك الاختفاء.
مؤلف كتاب حاجات قديمة للبيع
منى عبد الوهاب: ولدت في عام ١٩٩٨م، وتخرجت في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، تعمل حاليًّا مسؤولة العلاقات العامة والإعلام بمؤسسة مزيج الثقافية، وهي مقدمة البرنامج الثقافي «سين وميم»، وتدور اهتماماتها في فلك موضوعات الأدب وتاريخ الشارع المصري وقضايا المرأة في المجتمع.