الأرقام أنقذت الجيش البريطاني
الأرقام أنقذت الجيش البريطاني
كانت الحالة المزرية للمستشفى العسكري الذي يستقبل الجنود البريطانيين في أثناء حرب القِرَم هي ما دفع رئيسة التمريض “فلورانس نايتنجيل” إلى الاحتجاج بطريقة ذكية، فكانت تستغل الوقت القليل الذي لا تعمل فيه لكتابة الرسائل حول الظروف العصيبة التي يضطر الأطباء والممرضون إلى العمل فيها، الجديد في الأمر أنها لم تكتفِ بالإخبار بما يجري، وإنما لجأت إلى وسيلة لطالما برعت في استعمالها وهي “الأرقام”، فكتبت إلى وزير الدفاع تقريرًا مفصلًا يتضمن الأرقام التي تبين كيف تسببت حالة المستشفى في قتل أعداد من الجنود نتيجة التلوث وانتشار الأمراض المعدية، أكبر بكثير مما تسببت فيه الحرب القائمة، ورسمت فلورانس مخططًا ملونًا وثقت من خلاله الإحصاءات التي جمعتها، وفي نهاية الحرب تحول المستشفى جذريًّا وتحسنت ظروفه وانخفضت أعداد الوَفَيَات بشكل لافت نتيجة استخدام الأرقام.
لقد كانت فلورنس ابنة عصرها الذي عرف سحر الأرقام وفائدتها وكيف يمكنها أن تكون أكثر دقة ووضوحًا من الكلمات، فعندما تعقدت حياتنا وتسارعت، أصبح تذكر الأشياء أصعب يومًا بعد يوم، وكان هذا الوقت الذي احتجنا فيه إلى مزيد من تدخل الأرقام، وعرفنا أهمية توحيد المقاييس التي نستخدمها، فلم يعد العالم متباعدًا كما اعتاد أن يكون، وإنما برزت الحاجة إلى لغة أرقام مشتركة تمكننا من عقد الصفقات التجارية، وبهذا تفوقت الأرقام كثيرًا على اللغات المختلفة، فبتعميم وحدات القياس التي يستخدمها العالم أصبحنا نشترك في لغة رقمية عالمية هي الناتج المحلي الإجمالي والجيجابايت ونسب انبعاثات الكربون ونقاط الذكاء والأمتار والكيلوجرامات.
الفكرة من كتاب الكتاب الأكثر مبيعًا على الإطلاق: كيف تقودنا الأرقام وتضللنا
ما أول شيء لفت انتباهك إلى هذا الكتاب؟ بالطبع إنه العنوان، سوف يدفعك الفضول إلى الاطلاع على الكتاب الذي قرر القراء أنه يستحق تصدر مبيعات متاجر الكتب في هولندا لمدة يعتد بها، وقبل البدء في الكتاب رغبت الكاتبة، من خلال لفت النظر إلى هذا العنوان، بأن ترينا أي مكانة نوليها للأرقام في حياتنا وخياراتنا، فبينما كانت تجري بحثًا حول الفروقات الكبيرة بين الموارد المالية للناس في بوليفيا وتأثيرها في سعادتهم، سألتهم عن الرقم الذي يقدرون به سعادتهم من واحد إلى عشرة، كانت الإجابات تتكرر: واحد، واحد، دون اختلاف مع تغير أسئلة الاستبيان
تسببت تلك الدراسة في تقويض الثقة الكبيرة التي توليها المؤلفة للأرقام منذ صغرها، فلم تستطع اختزال حياة النساء الكادحات اللاتي طرحت عليهن أسئلتها في رقم على مقياس من عشرة أرقام، واكتشفت أن ما يهم هو القصص المختبئة خلف ما نرصده من أرقام. وحاليًّا تحدد الأرقام ماذا نأكل، وأي شيء نشرب، ولمن نمنح صوتنا الانتخابي، ومن نتزوج، وهل سنحصل على الوظيفة التي نريدها أم لا، فتخبرنا المؤلفة من خلال هذا الكتاب أن من الصعب بعد معرفة تلك الأخبار أن نحصن أنفسنا ونتجنب الأرقام تمامًا، فنحن نحتاج إليها بالفعل، لكن نحتاج فقط إلى التمييز بين ما نراه أمامنا من استخدام صحيح للأرقام أو تلاعب، وهل الأرقام في حياتنا بمنزلتها الحقيقية أم لها أولوية في الاختيار والتصديق تسبق العوامل الأخرى المهمة.
مؤلف كتاب الكتاب الأكثر مبيعًا على الإطلاق: كيف تقودنا الأرقام وتضللنا
سان بلو: صحفية هولندية ومحررة حسابية لصالح منصة كوريسبوندانت، حاصلة على الدكتوراه في الاقتصاد القياسي من كلية إيراسموس للاقتصاد.
معلومات عن المترجم:
نور العيون حامد: مترجم ومحقق، له عديد من الترجمات، مثل:
الإصدار الأصفر.
فراشة طوكيو – الحب أو السلطة؟