هل الصندوق فاسد أم التفاحة فاسدة؟
هل الصندوق فاسد أم التفاحة فاسدة؟
هيمنت “النظرية النزوعية” لفترة طويلة لافتراضها أن طبيعة الإنسان وتربيته في مرحلة الطفولة هي المسؤولة عن جميع الجرائم والأفعال الضارة التي يرتكبها، بيد أنه كان لـ”ستانلي مليجرام” رأي آخر، إذ شكك في أن سلوك البشر راجع إلى طبيعتهم ونزعاتهم، وأخذ برأي أستاذه “سولومون آش” الذي وجد من خلال تجاربه أن الأفراد يمكن أن يأخذوا بإجماع الجماعة حتى إن تعارض ذلك مع معتقداتهم، بنى مليجرام على ما توصل إليه “سولومون”، ثم أجرى تجربته الشهيرة “سلطة الطاعة”، وتتكون هذه التجربة من شخص في موقع سلطة يؤدي دور المعلم، وآخر في موقع التلميذ يؤدي دور المتعلم، وثالث يؤدي دور المراقب، وفي كل مرة يخطئ التلميذ يضغط المعلم على زر الصعق الكهربائي عقابًا له على خطئه، وقد توصل مليجرام من هذه التجربة إلى أن الموقف كان له تأثير كبير في ضغط المعلم على زر الصعق الكهربائي، خصوصًا عندما كان المراقب يحث المعلم على الاستمرار في التجربة.
وفي المضمار نفسه أجرى عالم النفس الاجتماعي “فليب زيمباردو” تجربة الآثار النفسية لحياة السجن، وأثرها في حياة الأشخاص الأصحاء نفسيًّا، وبالفعل أقام سجنًا افتراضيًّا في قسم علم النفس بجامعة ستانفورد، وقسّم الطلبة عشوائيًّا ليؤدي بعضهم دور السجناء، وبعضهم الآخر دور الحرّاس، في البداية كانت الأمور على ما يرام، لكن في غضون يومين ظهر تأثير الموقف، إذ أصبح الحراس يتصرفون بسادية تجاه السجناء، وأصيب السجناء باضطرابات نفسية، فخرج زيمباردو من هذه التجربة بنظرية “الصندوق الفاسد”، وتشير هذه النظرية إلى أن وضع شباب أصحاء نفسيًّا في موقف ومكان سيئ سوف يؤدي إلى هيمنة الموقف عليهم، واستنتج أن الخط الفاصل بين الخير والشر ضبابي وقابل للاختراق حسب الموقف والمكان.
الفكرة من كتاب علم النفس السياسي.. أوضاع، وأفراد، وحالات
يجيب المؤلف خلال صفحات الكتاب عن سؤال: لماذا يفعل الناس ما يفعلونه في سلوكهم العام؟ لينتهي إلى أن هناك نمطين أساسيين من المقاربات لفهم السلوك السياسي الإنساني، هما: المقاربة النزوعية التي ترى أن شخصية الفرد واعتقاداته وقيمه لها بالغ الأثر في انتمائه الحزبي وخصائصه الشخصية وقراراته، وحتى سلوكه الانتخابي، والمقاربة الموقفية التي ترى أن البيئة والموقف المحيط بالفرد أكثر أهمية من اعتقاداته وخصائصه الشخصية، وأنها هي التي تشكل سلوكه العام، وفي الأخير يستعرض بعض الظواهر التي خضعت للملاحظة العلمية، مثل الإرهاب وسلوك الناخب كتطبيقات لفهم النزوعية والموقفية.
مؤلف كتاب علم النفس السياسي.. أوضاع، وأفراد، وحالات
ديفيد باتريك هوتون: كاتب وأكاديمي بريطاني الجنسية، يعمل حاليًّا أستاذًا في جامعة وسط فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عمل في السابق في عدد من الجامعات البريطانية والأمريكية، وهو من المهتمين بمجالات علم النفس السياسي، وصنع القرار في السياسة الدولية، والسياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الإيرانية الأمريكية. من مؤلفاته:
Losing an Empire, Finding a Role: British Foreign Policy Since 1945
A Citizen’s Guide to American Foreign Policy: Tragic Choices and the Limits of Rationality
U.S. Foreign Policy and the Iran Hostage Crisis
معلومات عن المترجمة:
ياسمين حداد: مترجمة أردنية الجنسية، حصلت على درجة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي من جامعة روتشستر في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عملت في السابق أستاذة ورئيسة لقسم علم النفس بالجامعة الأردنية، وتعمل حاليًّا في جامعة الإمارات العربية المتحدة.