آثار الاستبداد
آثار الاستبداد
للاستبداد آثار خطيرة على مختلف الأبواب، فأما أثره في أصول وقواعد الشرع فهو يورِّط الشريعة بترسيخ كيانه، إلا أن النص القرآني يرد في إرجاع الأمر إلى الجمع، وليس إلى الفرد، والإصلاح في القرآن معنى شامل، والمُستدل يحصره أحيانًا في التعبد وإصلاح الفرد لنفسه، كما أن الشرع حدَّد مراتب المصالح وجعل العدل أعلى رُتبة، فشرع الشورى، وجعلها من عزائم الأحكام، فكل نظام سياسي لا يقوم على الشورى فلا شريك له، وهو من المحدثات، فالشؤون السياسية ذات طابع جماعي وليست ذات طابع فردي.
ومن أشد آثار الاستبداد تسييس الدين وتوظيفه من أجل الأغراض السياسية، فصار أهل الدين أتباعًا للسلطان، لا أتباعًا لحكم الله (عز وجل) فيرشدون الحاكم ويوجِّهونه إلى العدل والحق.
كما أن الاستبداد قد يُشكِّل أكبر عقبة أمام تحرر الإنسان، ليكون دينه لله خالصًا، فحينما يتعلَّق الناس بالفرد فيُبجِّلونه ويعظِّمونه، فكأنما جعلوه إلهًا يُعبد، فأمره أمر، ونهيه نهي، لا مجال للتحقق والبحث خلف أوامره ونواهيه، وهذا عكس حقيقة الإسلام الذي يدعو إلى تحرير الإنسان وتخليصه من كل المعبودات، وعكس دعوة الإسلام في التساوي بين الجميع، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لكبير على صغير، ولا لحاكم على محكوم إلا بالتقوى، فإنَّ جعل الحاكم في مرتبة من مراتب العلو والتمايز عن الناس كأنما هو تكريس لمفهوم الطاعة للأفراد، فلا يجوز للفرد أن يقف في وجه الدولة التي يمثلها الحاكم لأنها كماله النهائي، وهذا عكس دعوة محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي دعا فيها للتساوي بين الشريف والوضيع، والسيد وعبده، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): “وَأيْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”.
فإن دوام الاستسلام التام لله يقتضي دوام المساواة بين البشر، فإن كنت تبحث عن التخلُّص من علو البشر فعليك بالتسليم لعلو الله، فلا تعامل بشرًا مثلك بالمبالغة في تعظيمه، فعلو البشر في النفس ينقص من قدر الله في قلب المرء.
الفكرة من كتاب تفكيك الاستبداد
كيف قامت الخلافة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)؟ وما منزلة مبدأ الشورى في الإسلام، وما صلاحيات الحاكم على المُسلمين، وكيف تنصح الأُمَّة حُكَّامها؟ من خلال هذا الكتاب يسعى الكاتب إلى تصدي المُلك الجبري، وتفكيك تأصيلاته المنسوبة للشرع، وذلك عن طريق تفكيك مشروعية الاستبداد والفقه المُسيَّس، وتوضيح آثار ذلك على الشرعية والأمة.
مؤلف كتاب تفكيك الاستبداد
محمد العبد الكريم: أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، شارك في تدريس مقاصد الشريعة والقواعد الفقهية لطلاب الدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء، كما شغل منصب مستشار بهيئة حقوق الإنسان سابقًا، شارك بعدَّة مقالات في جريدة “المحايد” و”الإسلام اليوم” ومجلة “العصر”، ومن مؤلفاته: “صحوة التوحيد: دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي” و”الاحتساب المدني: دراسة في البناء المقاصدي للاحتساب”.