سيكولوجية المكتئب
سيكولوجية المكتئب
قسم فرويد شخصية الإنسان ثلاثة أجزاء، الهُوَ والأنا والأنا الأعلى، يمثل الهُوَ الجزء الشهواني لدى الإنسان ويحثه على إرضاء رغباته، ويمثل الأنا الجزء العقلاني الذي يوازن بين رغبات الهُوَ وتقاليد المجتمع وقوانينه، ويقرر أي الرغبات مقبولة اجتماعيًّا وأيها شائنة، فإذا كانت رغبات محرمة يكبتها في منطقة اللا شعور بعيدًا عن العقل الواعي، وكذلك يفعل مع الذكريات المؤلمة والخبرات السيئة، لكن تظل تلك الرغبات والذكريات موجودة بانتظار حدوث أمر ما ينقلها إلى منطقة الوعي والشعور لدى الإنسان.
أما الأنا الأعلى فيمثل الضمير الداخلي الذي يسعى إلى المثالية الأخلاقية، فيوبِّخ الشخص إذا ارتكب خطأً، ويتشكل الضمير في الطفولة المبكرة خصوصًا في السنوات الستة الأولى، كما يتفاوت من شخص لآخر، فثَمَّ شخصٌ يمتلك ضميرًا قويًّا صارمًا يقسو عليه إن ارتكب أي خطأ مهما كان صغيرًا، وشخصٌ آخر ضميره ضعيف لا يثور مهما كانت جريمته أو خطؤه.
وتبعًا لذلك يمكن استنتاج أن خبرات الشخص في طفولته المبكرة لها تأثيرٌ كبير في تكوين شخصيته ومقدار قابليته للإصابة بالمرض النفسي، وأن مريض الاكتئاب يمتلك ضميرًا صارمًا يجبره دائمًا على الإحساس بالذنب وجلد الذات، يمكن أيضًا استنتاج أن المكتئب شخصٌ مفتقر إلى الحب محروم منه منذ طفولته المبكرة، فتحول هذا الحرمان إلى كراهية لمشاعر الحب والاحتياج، لكن بدلًا من توجيه مشاعر الكراهية إلى الناس أو المجتمع، أجبره ضميره الصارم المثالي على توجيهها إلى نفسه، فأصبح كارهًا لذاته حاقدًا عليها، يراها مليئة بالعيوب لا تستحق الحب الذي يبحث عنه.
وهنا تكمن أهمية جلسات التحليل النفسي، إذ يفتش الطبيب بداخلك عن العقد النفسية المدفونة في أعماقك وعقلك اللا واعي منذ طفولتك وأنت غير مدركٍ لها، لكنها استمرت في الظهور عبر الأحلام المتكررة أو المواقف اليومية المزعجة حتى سببت إصابتك بالاكتئاب، فإدراكك لهذه العقد ومواجهتها بدلًا من كبتها سيساعدك على التخلص منها والشعور بالراحة.
الفكرة من كتاب ظلام في رأسي: لماذا نكتئب وكيف نجد الأمل؟
الاكتئاب مرضٌ خبيث واضطراب نفسي قاتل، يتسلل إلى النفس البشرية عند تعرضها باستمرار لمشاعر الغضب والإحباط دون أن ينفِّس الإنسان عن تلك المشاعر بطريقةٍ صحية، وتكمن خطورته في إهمال أعراضه وعدم علاجه، فيتفشى في عقل الشخص ويدمره، فيعوقه عن أداء واجباته أو التواصل مع الآخرين، ويهدم لديه إحساس الفرحة والراحة، ومن ثم يفقد رغبته في الحياة.
لذا يسعى هذا الكتاب إلى تعريفنا بطبيعة مرض الاكتئاب وأعراضه وأسبابه ونتائجه حتى نتمكن من علاجه وهزيمته، كذلك يشتمل على عدة طرائق وأساليب تساعدنا على التحكم في الأفكار السلبية والتعامل مع حالات القلق والتوتر، وكيفية تجاوز الأزمات والأوقات الصعبة، لتحقيق السعادة وراحة البال.
مؤلف كتاب ظلام في رأسي: لماذا نكتئب وكيف نجد الأمل؟
د. رانيا سامي: طبيبة نفسية وكاتبة روائية، حازت الدكتوراه في الطب النفسي، وهي عضوة اتحاد الأطباء النفسيين، صدرت لها رواية بعنوان “ما زلت أحبها سادة”.