ما نظام العافية؟
ما نظام العافية؟
قبل بضعة عقود كانت العافية حكرًا على مجموعات بشرية صغيرة، أما اليوم فقد اتخذت اتجاهًا سائدًا يُملي عليك الطريقة التي تمارس بها شتى نواحي حياتك، نظام يناشدك بلطف في كل مكان، وخصوصًا بأماكن العمل، للانضمام إلى (برامج الرَّفَاه)، ويَعِدُك بتقديم أسلوب حياة يهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الرفاهية. مسعى البرنامج في الظاهر زيادة رفاهية الأفراد، وتحسين فاعليتهم مما يعود بالنفع على إنتاجيتهم، قد يبدو لك هذا الكلام بريئًا، وأن نظام العافية هو الحل الجذري لكل مشكلات العمل والحياة معًا، وقبل أن ترسم في ذهنك المزيد من التطلّعات، سأخبرك بالهدف الحقيقي وراء نظام العافية، وهو استغلال قوة العمل للحصول على ربحية أعلى، وتحويل الأفراد إلى مصدر طاقة لا ينفد ويُعَاد شحنه من قبل نظام العافية.
ونتيجةً لذلك تُختزل قيمة الإنسان في كونه آلة تحافظ على سير النظام وتعزيز الإنتاج، ولا مفر من أن يلاصقه إحساس دائم بالإجهاد وتفاقم في الضغوط والتوترات والشعور بالذنب، حتى تتفتت إرادته ويصبح ممتثلًا لنظام العافية، ويتخلى عن دوره الأساسي وينسى مطالبه في إعادة التوزيع العادل للموارد المادية، وتحقيق الديمقراطية التي استبدل بها برنامج لإعادة التأهيل الشخصي وفقًا لمعايير أنظمة العافية. وبذلك يمكن أن يوصف نظام العافية بالإلهاء أو الخداع، لتفريغ الفرد من إمكانية تأثيره في القرارات، وجعلها في جعبة فئة أو حزب أو شخص معين، فتؤول النتائج إلى انزلاق المجتمع إلى هوّة مظلمة، حيث تُقاس جميع الأشياء بما فيها قيمة الإنسان بقيمة ربحية.
وإذا انطلقنا نحو الساسة والاقتصاديين وسألناهم عن مفهوم العافية من وجهة نظرهم، فستكون إجاباتهم أنها واجب أخلاقي، يجب تطبيقه بكل منعطف في الحياة، لا سيما أنك ستجد نظام العافية في المجلات والإعلانات بدرجة مُلحة، تصل بك إلى مرحلة الإيعاز لنظام العافية، وهذا الإيعاز يسمى متلازمة العافية، تطاردك أعراضها من القلق وإلقاء اللوم على الذات والشعور بالذنب، فتتحول الحياة إلى تمرين لتحسين العافية، وفي ما يلي سنوضح أدوات نظام العافية التي تقوم على ركنين أساسيين، وهما الصحة والسعادة.
الفكرة من كتاب متلازمة العافية: خرافة الإنسان الكامل
في واقعنا المعاصر لم يعد يكفي أن تكون إنسانًا عاديًّا، بل يجب أن تصبح في طَور الإنسان الكامل الذي يتمتع بصحة جيدة وبوزن مثالي، ويفكر بشكل إيجابي دائمًا ولديه هوس دائم بالسعادة، وهذا الشكل من المثالية والكمال لا يسعى إليه إنسان العصر الحديث لنفسه، بل من أجل عدم التخلي عنه من قبل سوق العمل الذي لا يأبه إلا لزيادة الإنتاجية، ولأن من الصعب الوصول إلى الكمال المنشود، تقع في أسر الشعور بالذنب، فكيف يحدث ذلك؟ وما أثره في حياتك؟ هذا ما سنجده مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب متلازمة العافية: خرافة الإنسان الكامل
كارل سيدرستروم: كاتب سويدي، وأستاذ مشارك في كلية ستوكهولم في قسم إدارة الأعمال، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة Lund، مهتم بدراسة مجالات تتعلق بالفلسفة والثقافة الغربية المعاصرة، بما في ذلك الفلسفة السياسية وفلسفة الحياة والعمل، كما قدم العديد من المساهمات في مجال البحث والنشر والمقالات للصحف والمجلات الأكاديمية مثل: The New York Times, The Guardian, The Atlantic and Harvard Business Review. له مؤلفات عدة، من أشهرها:
The Happiness Fantasy
Desperately Seeking Self-Improvement: A Year Inside the Optimization Movement
أندريه سبايسر: كاتب نيوزيلندي، يعمل أستاذًا في كلية Cass Business بجامعة سيتي لندن، نشرت له كتابات في العديد من الصحف والمجلات مثل: Guardian, Financial Times, Times, Independent and CNN
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
Metaphors We Lead By: Understanding Leadership in the Real World
Unmasking the Entrepreneur
معلومات عن المُترجمين:
عبد المنعم المحجوب: باحث لغوي ومُفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب: ليبيا 2022 – 1911″، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
أنس المحجوب: شارك في ترجمة كتابي: (المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟) و(سجناء الجغرافيا).