خصائص الفضاء الرقمي
خصائص الفضاء الرقمي
وصلنا إلى واقع موازٍ نعيش فيه أكثر من واقعنا الحقيقي، وقد حان الوقت لنعرف خصائصه وندركها جيدًا. في الحقيقة يختلف الفضاء الرقمي في خصائصه بشكل كبير عن الفضاء الواقعي.. ومن أولى تلك الخصائص: القدرة على تغييب الهوية، فحضورك في الفضاء الرقمي قد يأتي على أشكال عدة، كلها لا تمثل هويتك الحقيقية. كما أن غياب التواصل وجهًا لوجه مع الآخر ترك أثرًا عميقًا في المظاهر التي كان يعتمد عليها الفرد في تأكيد هويته، مثل: نبرة الصوت ونمط الحديث ولغة الجسد وطبيعة الملبس، كأن الغياب العيني ألغى ضرورة الإفصاح عن الهوية الحقيقية، وأصبح لا مشكلة في استخدام أسماء مستعارة أو الظهور بشخصيات متخيلة.
وينقلنا ذكر غياب التواصل العيني في الفضاء الرقمي إلى خاصية أخرى من خصائصه، وهي: انحصار كل وسائل التواصل لصالح التواصل النصي، فأصبح النص هو الوعاء الوحيد الذي يحتوي مشاعرنا وأفكارنا ورغباتنا وكل تواصلنا مع الآخر، مما أثر سلبًا في مهارات التحدث والإصغاء وفهم تعبيرات الوجه وإشارات الجسد ونبرات الصوت، وينتج عن ذلك شكل من أشكال الاختزال للتواصل الإنساني الذي فقد حيويته وحرارته وأصبح يُدار عن طريق وسيط وهو الإنترنت.
كذلك فإن الفضاء الرقمي لديه خاصية تجاوز الزمان والمكان، فمنذ أن توافرت ميزات “الاتصال المتزامن | Synchronous Communication” الذي يمكن المستخدم من التواصل مع أكثر من شخص في آن واحد، و”الاتصال غير المتزامن | Asynchronous Communication” الذي يعطي القدرة على التواصل دون حضور الطرف الآخر، أصبحت هناك مرونة زمنية كبيرة للفضاء الرقمي، فأنت تتلقى الرسائل في وقت وتجيب عنها في وقت آخر دون الحاجة إلى الردود الفورية والاستجابات السريعة التي يفرضها الواقع، وتبعث أنت أيضًا برسائل إلى أشخاص غير متصلين في الوقت الحالي، وفي الوقت نفسه تفتح أكثر من موقع وتحادث أكثر من شخص.
أما عن تجاوز المكان فهو مما لا يخفى على أحد، فأنت تجلس في مكانك وترى مشاهد من كل بقاع العالم وتستطيع التواصل مع أي شخص مهما كانت المسافة التي تفصلك عنه، وينشأ عن اللامكانية انفتاح ثقافات العالم بعضها على بعض، وإن كان في ذلك فوائد عديدة، فإنه لا يخلو من العيوب، إذ يفتح المجال لكل أشكال الصراع والتصادم وفرض ثقافات على أخرى وعدم المساواة. وليست حدود العالم الوحيدة التي تُخترق بل يُعد غياب حدود الذات وتداخل الحالة الفكرية والشعورية لجميع أفراد العالم خاصية أساسية للوجود في الفضاء الرقمي.
الفكرة من كتاب اقتصاد الانتباه في عصر المراقبة السيبرانية
كم مرة بحثت عن منتج ما لتجده يظهر أمامك في كل مكان؟ وكم مرة توقفت عند منشور أو صورة أو فيديو فتجد أمثاله يلاحقونك في كل المنصات؟ وكم ساعة تقضيها على الإنترنت يوميًّا؟ ولأي مدة تستطيع التركيز دون أي انقطاع في عملك أو مذاكرتك؟ تراكمت عليك الأسئلة أليس كذلك؟ لا بأس، توقف قليلًا وفكر في الإجابة وعد سريعًا لتكتشف ما وراء هذه الأسئلة وما وراء إجاباتك أيضًا. فنحن على وشك رحلة لاستكشاف عالم الإنترنت منذ بدايته وحتى وصولنا إلى هنا، والتغيرات المصاحبة له في كل جوانب حياتنا، والأهداف الخفية التي تسعى إليها شركات الإنترنت الكبرى وعلاقتها بانتباهك وبياناتك. مستعد؟ إذًا، لنبدأ.
مؤلف كتاب اقتصاد الانتباه في عصر المراقبة السيبرانية
علي فرجاني: خبير إعلامي واستشاري علاقات عامة مصري، وكاتب محتوى ومتحدث في الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني، حصل على بكالوريوس الإعلام وماجستير علوم الإعلام والاتصال من جامعة القاهرة، كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية في علوم الإعلام والاتصال. وحصل كذلك على الزمالة العلمية من الجمعية المصرية للعلاقات العامة.
ومن مؤلفاته:
مهارات المتحدث الإعلامي.
التقنيات الرقمية وتطبيقاتها في الإعلام.
العلاقات العامة واستراتيجيات الاتصال.