كيف وصلنا إلى هنا؟
كيف وصلنا إلى هنا؟
بدأت الحكاية عندما قررت وزارة الدفاع الأمريكية إنشاء شبكة معلومات عام 1969، من أجل ربط الإدارات المعنية في وزارة الدفاع بمتعهدي القوات المسلحة وعدد كبير من الجامعات التي تعمل على أبحاث ممولة من قبل الوزارة، ليعملوا على تطوير تقنية تربط الحواسيب وتصمد أمام الهجمات العسكرية. وسُميت هذه الشبكة باسم “أربا | ARPA” اختصارًا للجملة الإنجليزية Advanced Research Project Administration. واعتمدت شبكة “أربا | ARPA” في تصميمها على أداة “إعادة التوجيه الديناميكي | Dynamic rerouting”، ويمكن لهذه الأداة تشغيل الشبكة بشكل مستمر حتى في حالة انقطاع إحدى الوصلات أو تعطلها عن العمل، وبهذا انطلق الإنترنت ومن ثم أصبح شبكة عالمية يتم من خلالها توصيل آلاف الشبكات الحاسوبية بملايين الحواسيب العامة والشخصية المنتشرة حول العالم. ولم تقف حدود الإنترنت عند هذا الحد، بل أصبح اليوم عنصرًا أساسيًّا في كل بيت، إذ يستخدمه الناس في التعلم والعمل وإنهاء الخدمات المختلفة، أو يستخدمونه في التواصل بعضهم مع بعض، أو وسيلة للمتعة والترفيه.
وتزامن مع انتشار الإنترنت مستجدات كثيرة على صعيد التجارة والأسواق لم يكن لأحد تخيلها، إذ أخذت التجارة الدولية في التحول من الموقع الجغرافي إلى الفضاء السيبراني للإنترنت، وأصبح هناك تزايد كبير في الأسواق الافتراضية. أما على صعيد الجوانب الإنسانية والثقافية فلم يعد الإنترنت بعد اليوم مجرد شبكة، بل امتدت تأثيراته إلى كل جوانب الإنسان النفسية والإدراكية والسلوكية والثقافية. ويعد موقع Facebook خير مثال على ذلك، فهو يؤثر في الحالة النفسية للمستخدمين بطرائق عديدة، ويؤدي إلى ظهور اضطرابات لدى مستخدميه، مثل: تدني تقدير الذات والاكتئاب والوحدة والقلق، نتيجة استمرار المقارنة مع الآخرين وسلبية العلاقات التي تنشأ بين الأفراد من خلاله.
ومع استمرار انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح هناك انتهاك واضح لخصوصية الفرد، كأنها دعوة للانكشاف ومشاركة كل التفاصيل الحياتية، كذلك فإن الإنترنت استولى على مساحات كثيرة من حياتنا، فحل وقت تصفح الإنترنت محل قراءة الكتب، والوقت الذي كنا نقضيه معًا حلت محله مكالمات ورسائل بين الحين والآخر، والرسائل التي كنا نعتني بها ونتفنن في صياغتها وكتابتها تُركت لصالح بضع كلمات مختصرة أو منسوخة ومجموعة من الملصقات والوجوه التعبيرية، ونتيجة لذلك تتصحر الكثير من المهارات والقدرات العقلية والحياتية أمام سيطرة الإنترنت. ويقول الكاتب “نيكولاس كار”: “إن الإنترنت يقدم بصورة دقيقة ذلك النوع من المحفزات الشعورية والإدراكية التكرارية والمكثفة والمسببة للإدمان، التي ثبت أنها تؤدي إلى تغيرات سريعة في الدوائر والوظائف العقلية”.
الفكرة من كتاب اقتصاد الانتباه في عصر المراقبة السيبرانية
كم مرة بحثت عن منتج ما لتجده يظهر أمامك في كل مكان؟ وكم مرة توقفت عند منشور أو صورة أو فيديو فتجد أمثاله يلاحقونك في كل المنصات؟ وكم ساعة تقضيها على الإنترنت يوميًّا؟ ولأي مدة تستطيع التركيز دون أي انقطاع في عملك أو مذاكرتك؟ تراكمت عليك الأسئلة أليس كذلك؟ لا بأس، توقف قليلًا وفكر في الإجابة وعد سريعًا لتكتشف ما وراء هذه الأسئلة وما وراء إجاباتك أيضًا. فنحن على وشك رحلة لاستكشاف عالم الإنترنت منذ بدايته وحتى وصولنا إلى هنا، والتغيرات المصاحبة له في كل جوانب حياتنا، والأهداف الخفية التي تسعى إليها شركات الإنترنت الكبرى وعلاقتها بانتباهك وبياناتك. مستعد؟ إذًا، لنبدأ.
مؤلف كتاب اقتصاد الانتباه في عصر المراقبة السيبرانية
علي فرجاني: خبير إعلامي واستشاري علاقات عامة مصري، وكاتب محتوى ومتحدث في الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني، حصل على بكالوريوس الإعلام وماجستير علوم الإعلام والاتصال من جامعة القاهرة، كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية في علوم الإعلام والاتصال. وحصل كذلك على الزمالة العلمية من الجمعية المصرية للعلاقات العامة.
ومن مؤلفاته:
مهارات المتحدث الإعلامي.
التقنيات الرقمية وتطبيقاتها في الإعلام.
العلاقات العامة واستراتيجيات الاتصال.