الوراثة اللا جينية
الوراثة اللا جينية
صحيح أن التغيرات الجينية تبقى في الخلايا الجسدية، ولا تنتقل إلى الخلايا الجنسية التي تسمح بتوارثها، لكن هل الجينات هي كل الحكاية؟ كلنا يعرف أن التغذية الجيدة للأم تحسن من صحة الرضيع، وذلك ما وجده العلماء وأثبتته الأبحاث، أن ما تأكله وتشربه الأم الحامل له تأثير كبير في الجنين، لدرجة أن هناك سلسلة من الفئران الصفراء المشهورة بالسمنة أنجبت فئرانًا بنية نحيفة، من خلال تعديل في نظام غذائها فحسب، وهكذا أطلق حقل فرعي من علم الوراثة سمي بـ”علم ما فوق الجينات أو الوراثة اللا جينية”، فعند التأمل في جينات الفئران المولودة وجدوا أنه لا يوجد أي اختلاف في أحماضها النووية عن تلك الموجودة لدى أمهاتها، ولكن توقف مفعول تلك الجينات نتيجة ارتباط بعض المواد الكيميائية فقمعت تشغيله، وتدعى عملية القمع تلك بـ”مثلنة الحمض النووي”، وتحدث تلك المثلنة بارتباط مركب يسمى “مجموعة الميثيل” بأي جين، ومن ثم يغير الجين طريقة تعبيره عن نفسه، دون تغيير الحمض النووي للفرد، وهكذا أُلغي الاعتقاد السائد بأن المخططات الجينية مكتوبة بحبر لا يمحى.
إذ إن العوامل البيئية التي تعيشها الأم تؤثر في وراثة الصفات في النسل، وبما أن العلماء اكتشفوا أن الجينات نفسها لا تنتج دائمًا النتائج نفسها، إذ نجد أنه حتى التوائم المتطابقة لا تحصل على الأمراض أو بصمات الأصابع نفسها بل تتشابه فحسب، لذا وجب وضع التفاعلات التي تعمل خارج الشفرة الجينية أو فوقها في الاعتبار، لكن هل تلك التأثيرات اللاجينية متعلقة بالأم إثر تفاعل الجنين مع بيئة أمه، أم يشترك فيها كذلك الأب والأجداد على الرغم من أن الجنين لا يتفاعل مع بيئة والده؟
لقد بينت دراساتٌ أن الآباء والأجداد يؤثرون في نقل المعلومات الوراثية إلى النسل كذلك، فقد وجد أن الآباء الذين دخنوا قبل سن البلوغ كان أبناؤهم أكثر بدانة من المعتاد عند بلوغهم التاسعة من عمرهم، ولذا يعتقد أن للأب والأجداد تأثيرًا في النسل كما للأم. وفي عام 2004 نشر العالم “مايكل ميني” بحثًا يشير إلى أن حنان الأبوين قادرٌ كذلك على تغيير التعبير الجيني للكائن الحي، وهكذا تستمر الاكتشافات والأبحاث ويبقى ما وصلنا إليه ذرة في بحر العلم الشاسع.
الفكرة من كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
إن من مميزات البشر الأولى وأهمها على الإطلاق التطور، ألسنا نتطور يومًا بعد يوم، أليست في أجسادنا القدرة على الاستمرار على قيد الحياة، إذًا أليس من المفترض أن تساعد عملية التطور على تخليصنا من الصفات الضارة وتعزز الصفات الحميدة؟! فكيف تنتقل أمراض خبيثة عن طريق التوارث إلى الأجيال التالية؟ ولماذا نصاب بالأمراض التي تودي بنا أو تجعلنا طريحي الفراش؟ ولماذا توجد أمراض تنتقل عبر الوراثة كالسكري وداء الصباغ الدموي وغيرهما؟ وما عمل الجينات؟ ولماذا قد يبدو التبرع بالدم عاملًا على تخفيف الألم عند بعض الناس؟
يتأمل هذا الكتاب المرضَ بصورة مختلفة، فبدلًا من طرح سؤال ماهية المرض، نقف على سبب وجوده، فلماذا وجدت الأمراض؟ وهل يمكن لمرضٍ من الأمراض أن يكون عاملًا لبقاء الجنس البشري في زمن من الأزمنة؟
مؤلف كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
شارون مولم: طبيب وباحث في علم الوراثة، حصل على الدكتوراه في علم الأعصاب من جامعة تورنتو الكندية، ساهم في اكتشاف عديد من الأمراض النادرة من خلال أبحاثه المهمة، كما أنه اكتشف خطًّا جديدًا من المضادات الحيوية ضد الميكروبات المقاومة للمضادات، وحاز 25 جائزة عالمية تقديرًا لإنجازاته المتنوعة، له العديد من المؤلفات، منها:
How Sex Works: Why We Look, Smell, Taste, Feel, and Act the Way We Do
Inheritance: How Our Genes Change Our Lives—And Our Lives Change Our Genes
The Better Half: On the Genetic Superiority of Women
جوناثان برنس: كاتب وممثل أمريكي ومنتج، ولد عام 1958 وشارك في إعداد هذا الكتاب.
معلومات عن المترجمة:
رغد قاسم: كاتبة ومترجمة عراقية، حاصلة على شهادة الماجستير في العلوم الطبية، كما نالت جائزة اتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2018، ولها عديد من التراجم، منها:
هل هم أغبياء لأنهم أذكياء.
موجز تاريخ الدماغ والروح.
التمييز الجنسي والعلم.