الطفرات عشوائية أم منتقاة؟
الطفرات عشوائية أم منتقاة؟
إذًا هل نحن رهْن الجينات؟ وهل يمكن لتلك الجينات أن تتغير؟! وما طريقة عملها؟ حين نتحدث عن الجينات فنحن نتحدث عن الحمض النووي وطرائق حمله للمعلومات الوراثية التي تراكمت من ملايين السنين في نحو 3 مليارات زوج من القواعد النيتروجينية، التي تدعى قواعد الحمض النووي، وتحوي 3% منها فحسب تعليمات لبناء الخلايا، فما عمل الجزء غير المشفر من الحمض النووي؟ وهل له علاقة بالتغيرات الجينية؟ إن التغيرات الجينية تنشأ نتيجة طفرات عرضية تحدث في تتابع القواعد الجينية، وهذا يحدث بمعدل منخفض للغاية، فمن الممكن حدوث خطأ واحد في كل مليار نسخة، فعندما يحدث ذلك يعيد الحمض النووي ترتيب قواعده النيتروجينية، فهل تلك التغيرات عشوائية أم منتقاة؟
اكتشفت “باربرا مكلينتوك | Barbara McClintock” نمطين لحركة الجينات، أولهما: أن التغيرات الحادثة في الجينوم تحدث في أجزاء معينة منه، وثانيهما: أن هذه الطفرات تنشط من تأثيرات خارجية، كتلك التي تهدد بقاء النبات، مثل: الحرارة الشديدة أو الجفاف، ومن ثم أطلقت على هذه التغيرات في الجينوم لقب “الجينات القافزة”، ورأت مكلينتوك أن القفزات هي استجابة جينية لنوع من الإجهاد الداخلي أو البيئي الذي لا تستطيع الخلايا التعامل معه في وضعها الحالي، ومن ثم لم يعد النظر إلى الطفرات الجينية على أنها عشوائية.
ووُجد أن ما يصل إلى نصف الجينات البشرية النشطة -غير المشفرة- تظهر دليلًا على أنها دمجت في الحمض النووي من قبل الجينات القافزة، وبدت تلك الجينات القافزة بشكل نوعٍ خاص من الفيروسات، إذ تشكل الفيروسات نسبة كبيرة من حمضنا النووي، فهي كائنات طفيلية لا يمكنها التكاثر بنفسها، لذا تحتاج إلى إصابة مضيف حتى تتمكن من التكاثر، وقد فرق فيلاريال بين أنواع الطفيليات، فمنها القاتل مثل: فيروس الجدري، ومنها ما استطاعت أن تعيش في الجينوم البشري وتسهم في تطورنا مثل: الفيروسات المستمرة.
إذ يتميز التطور بحالة من التوازن العام، تتخلله فترات من التغيرات الكبيرة التي تحدث نتيجة البيئة، ولذا ساعدت الجينات القافزةُ الأنواعَ على التكيف عبر هذا التوازن، لكن جميع تلك الطفرات تظل طفرات جسدية لا يمكن أن تنتقل إلى الجينات الجنسية ومن ثم لا يمكن توارثها، أليس كذلك؟
الفكرة من كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
إن من مميزات البشر الأولى وأهمها على الإطلاق التطور، ألسنا نتطور يومًا بعد يوم، أليست في أجسادنا القدرة على الاستمرار على قيد الحياة، إذًا أليس من المفترض أن تساعد عملية التطور على تخليصنا من الصفات الضارة وتعزز الصفات الحميدة؟! فكيف تنتقل أمراض خبيثة عن طريق التوارث إلى الأجيال التالية؟ ولماذا نصاب بالأمراض التي تودي بنا أو تجعلنا طريحي الفراش؟ ولماذا توجد أمراض تنتقل عبر الوراثة كالسكري وداء الصباغ الدموي وغيرهما؟ وما عمل الجينات؟ ولماذا قد يبدو التبرع بالدم عاملًا على تخفيف الألم عند بعض الناس؟
يتأمل هذا الكتاب المرضَ بصورة مختلفة، فبدلًا من طرح سؤال ماهية المرض، نقف على سبب وجوده، فلماذا وجدت الأمراض؟ وهل يمكن لمرضٍ من الأمراض أن يكون عاملًا لبقاء الجنس البشري في زمن من الأزمنة؟
مؤلف كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
شارون مولم: طبيب وباحث في علم الوراثة، حصل على الدكتوراه في علم الأعصاب من جامعة تورنتو الكندية، ساهم في اكتشاف عديد من الأمراض النادرة من خلال أبحاثه المهمة، كما أنه اكتشف خطًّا جديدًا من المضادات الحيوية ضد الميكروبات المقاومة للمضادات، وحاز 25 جائزة عالمية تقديرًا لإنجازاته المتنوعة، له العديد من المؤلفات، منها:
How Sex Works: Why We Look, Smell, Taste, Feel, and Act the Way We Do
Inheritance: How Our Genes Change Our Lives—And Our Lives Change Our Genes
The Better Half: On the Genetic Superiority of Women
جوناثان برنس: كاتب وممثل أمريكي ومنتج، ولد عام 1958 وشارك في إعداد هذا الكتاب.
معلومات عن المترجمة:
رغد قاسم: كاتبة ومترجمة عراقية، حاصلة على شهادة الماجستير في العلوم الطبية، كما نالت جائزة اتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2018، ولها عديد من التراجم، منها:
هل هم أغبياء لأنهم أذكياء.
موجز تاريخ الدماغ والروح.
التمييز الجنسي والعلم.