لماذا تكون العادات شديدة الالتصاق بالإنسان ويصعب التخلص منها؟
لماذا تكون العادات شديدة الالتصاق بالإنسان ويصعب التخلص منها؟
كان “فيليب سِيمور” ممثلًا سينمائيًّا ذائع الصيت، لكنه كان مدمنًا للمخدرات والكحول، وكان يشربهما بشكل مفرط، خضع لبرنامج إعادة تأهيل، وبالفعل توقف عن التعاطي لما يزيد على 20 سنة، لكنه انتكس عام 2013م، وعاد إلى إدمان المخدرات والكحول مرّة أخرى بسبب مشكلات في حياته الشخصية، وتُوُفِّيَ نتيجة جرعة زائدة من المخدرات، ومن ثمَّ يثور تساؤل مُلِحّ يشغل بال الجميع، وهو: لماذا ينتكس الإنسان ويعود إلى التعاطي مرة أخرى؟ والإجابة تكمن في أن العادات القديمة تُبعث من جديد بعد أن تبدو ميتة.
ولتوضيح ظاهرة انبعاث العادات القديمة، درّب عالم يُدعى “مَارك بُوتُون” فأرًا على الضغط على مقبض معين، وليكن “المقبض س”، للحصول على الطعام، ثم دربه على الضغط على مقبض آخر، وليكن “المقبض ص”، وعند الضغط عليه تُبطَل المكافأة الممثلة في الطعام عند ضغط الفأر على “المقبض س”، فوجد أن الفأر تعلم بسرعة الضغط على “المقبض ص”، وهنا يثور تساؤل هام: ماذا يحدث للفأر إذا لم يحصل على المكافأة من الضغط على “المقبض ص”؟ إذا كانت المكافأة في كلا المقبضين متوقفة، فلن يفعل الفأر أي شيء، لكن إذا كانت المكافأة الناتجة عن الضغط على “المقبض أ” ما زالت كامنة، فإن الفأر سوف يعود للضغط عليه مجددًا، وهذا ما حدث مع “فليب سيمور”، ويحدث مع غيره من البشر، نستنتج من ذلك أن أي سلوك يتعلمه الإنسان يظل نشطًا في الخلفية في انتظار أن يظهر مجددًا على السطح.
ومن العلاجات التي يُشاع أنها فعالة في القضاء على العادات القديمة، “العلاج بالتعرض”؛ جربته الطبيبة النفسية “مِيشيل كراسك” على مجموعة من الطلبة الجامعيين عانوا “رهاب العنكبوت”، تعرَّض الطلاب للعنكبوت بالوقوف بجانبه، ثم لمسوه، وفي النهاية تمكن معظمهم من تركه يسير على أيديهم دون أي قلق منه، وكان العلاج فعالًا، بعد مرور أسبوع من علاج هؤلاء الطلبة بالتعرض التدريجي لمصدر خوفهم ونجاح ذلك، قسمتهم مجموعتين بشكل عشوائي، وعرَّضت المجموعة الأولى للعنكبوت في السياق السابق نفسه، بينما تعرضت المجموعة الثانية للعنكبوت في سياق مختلف، فلوحظ أن المجموعة الثانية أظهرت خوفًا أكثر من المجموعة الأولى بسبب تغيُّر السياق، ما يعني أن التعلُّم المثبط للعادة القديمة يكون مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالسياق الذي عولج فيه، نستنتج من ذلك أن فاعلية العلاج بالتعرض لا بد أن تمارس في سياقات متعددة ومختلفة حتى تؤتي ثمارها.
الفكرة من كتاب صعوبة التخلص من العادات.. ولم يتمسك بها دماغنا؟
إذا سألت أي شخص: لماذا لا تستطيع إجراء التغيير الذي تأمله في نمط حياتك؟ سيجيبك بأنه يفتقر إلى “قوة الإرادة“، وإذا سألت أيًّا من مقدمي الرعاية الصحية: لماذا لا يستطيع بعض الناس تغيير نمط حياتهم إلى الأفضل؟ سيجيبون بالإجابة نفسها، لأنهم يفتقرون إلى “قوة الإرادة“، ومن ثم يقدمون النصائح للمرضى تبعًا لقوة إرادتهم، وفي الحقيقة، يوجد كثير من الأدلة تؤكد على انتفاء العلاقة بين قوة الإرادة وتغيير العادات السيئة، أو اكتساب عادات جيدة، وخلال الكتاب يستعرض المؤلف بشكل علمي آلية تشكيل العادات من خلال عرض كثير من التجارب العلمية، للوقوف على الأساليب الفعّالة للتخلص من العادات السيئة خصوصًا الإدمانية منها.
مؤلف كتاب صعوبة التخلص من العادات.. ولم يتمسك بها دماغنا؟
راسل أ. بولدراك: عالم أعصاب وعالم نفس أمريكي، يعمل أستاذًا لعلم النفس في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل مديرًا مساعدًا لعلوم البيانات في ستانفورد، وعضو معهد ستانفورد للعلوم العصبية، ومدير مركز ستانفورد لعلم الأعصاب القابل للتكرار، ومدير مركز SDS للعلوم المفتوحة والقابلة للتكرار، ومن مؤلفاته:
The New Mind Readers: What Neuroimaging Can and Cannot Reveal about Our Thoughts
Statistical Thinking: Analyzing Data in an Uncertain World
معلومات عن المترجمة:
عائشة يكن: هي مترجمة لبنانية، حاصلة على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ماديسون بالولايات المتحدة الأمريكية عن إدارة العلوم، تشغل منصب نائب الرئيس للشؤون الإدارية والطلابية في جامعة الجنان بلبنان، ومن ترجماتها:
الضجيج.
مدخل إلى التفكير الناقد.
الفلسفة تدخل المدارس.
كيف تبقى متوقّد الذهن؟
أنت على وشك ارتكاب خطأ فادح!