البحث عن حياة أفضل للمسنين
البحث عن حياة أفضل للمسنين
يسعى الناس في بداية حياتهم إلى تحقيق النمو وإثبات الذات، ويكونون منفتحين نحو الخارج وتكوين كثير من العلاقات الاجتماعية، لكن مع تقدم العمر يلجأ أكثرهم إلى تقليل ما ينفقونه من وقت وجهد في تكوين العلاقات الاجتماعية وتحقيق الإنجازات، ويقتصرون على قضاء وقتهم مع أسرهم وأصدقائهم القدامى، ومن ثمَّ فإن الإنسان مع تقدم العمر يركز على الفعل دون الوجود، كما يركز على الحاضر دون المستقبل، ويركز على علاقته بالآخرين دون الاهتمام بالإنجاز وتملك الأشياء، وقد فسَّرت “لُورَا كَارستنسن | Laura Carstensen” هذا التغيُّر في زاوية النظر إلى إحساس المرء بأن مدة بقائه في الحياة صارت محدودة.
ومن أجل توفير حياة أفضل للمسنين، فإن “بيل توماس” -وهو طبيب شاب في وظيفة مشرف طبي على بيت تمريض يسمّى “تشيس ميموريال | Chase Memorial” كان يضم ثمانين نزيلًا مسنًّا يعانون إعاقات شديدة- لاحظ أن بيت التمريض يثير البؤس والكآبة، وأن النزلاء يفتقرون إلى الحيوية والطاقة، ومن هنا أدرك أن ما ينقص بيت التمريض هو الحياة نفسها، ومن ثمَّ عمل على إصلاح ذلك من خلال فكرة بسيطة للغاية، ولكنها ذكية، تتمثل في إدخال بعض النباتات والحيوانات والطيور والأطفال إلى حياة النزلاء، وكان هدفه من وراء ذلك محاربة الكوارث الثلاثة التي تعج بها بيوت التمريض، وهي: (الملل، والشعور بالعزلة، والعجز عن عمل شيء).
وبالفعل أدخل إلى بيت التمريض بعض الكلاب والقطط والطيور، كما وضع في غرف النزلاء النباتات الحية، وأحضر فريق العمل أطفالهم بعد المدرسة ليقضوا بعض الوقت مع النزلاء، وكان ذلك بمنزلة العلاج بالصدمة، فالنزلاء الذين كانوا غير قادرين على الكلام بدؤوا يتكلمون، والملازمون للفراش خرجوا من غرفهم وأخذوا الكلاب في جولة مشي، وتبنى بعضهم طيورًا وأطلقوا عليها أسماءً، وبناءً على ذلك عادت الحيوية والطاقة إلى بيت التمريض.
وفي دراسة أجريت للمقارنة بين حال النزلاء في “تشيس ميموريال” وبيوت التمريض الأخرى، وجد الباحثون أن عدد ما احتاج إليه نزلاء تشيس ميموريال من الأدوية انخفض إلى النصف، كما هبطت الوَفَيَات بنسبة 15%، وأرجع توماس هذا التحسن في تشيس ميموريال إلى أن واحدة من حاجات الإنسان الأساسية هي وجود سبب يعيش من أجله يضفي معنًى على حياته، نستنتج من ذلك أنه بالإمكان علاج حالة الكآبة في بيوت التمريض من خلال إيجاد هدف ومعنًى للحياة.
الفكرة من كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
الحياة قبل قرنين من الزمان تختلف عن الحياة الآن، إذ غيَّر التقدم العلمي مسيرتها بشكل كبير، ويظهر ذلك بوضوح في ما يتعلق بأعمار الناس، فالإنسان خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين أصبح يعيش فترات أطول وحياة أفضل بالمقارنة بأي وقت آخر، إلا أن هذا التقدم أوجد حالة جديدة لم تكن موجودة من قبل تتمثل في الشيخوخة، وصارت هي والموت أحداثًا طبية لا يتعامل معها إلا الأطباء، فحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين كانت غالبية حالات الوفاة تتم في المنزل
لكن بحلول الثمانينيات أصبحت 83% من حالات الوفاة تحدث في المستشفيات ودور الرعاية الطبية، والبقية إما يموتون فجأة في منازلهم، وإما لا يتسع الوقت لنقلهم إلى المستشفى، ومن هنا يستعرض المؤلف وجهًا مأساويًّا للحياة يتمثل في أننا نتقدم في العمر، ويكشف عن معاناة من وصلوا إلى سن الشيخوخة، ويُبين الأفكار الخاطئة التي وقع فيها الطب حول نهاية الإنسان المحتومة وطرائق التعامل معها.
مؤلف كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
أتول جواندي: هو طبيب أمريكي من أصل هندي، يعمل جراحًا في مستشفى بريجهام آند وِمِنز في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وبروفيسور في كلية الطب في جامعة هارفارد ومدرسة هارفارد تي. إتش. تشان للصحة، فاز بجائزة لويس توماس للكتابة في مجال العلم، كما فاز بجائزة ماك آرثر، وجائزتين من المجلة القومية، من مؤلفاته:
Better
Complications
The Checklist Manifesto
معلومات عن المترجم:
عبد اللطيف الخياط: أديب ومترجم سوري الجنسية، متخصص في الأدب الإنجليزي من جامعة إسطنبول، وعمل في عدَّة جامعات عربية مثل: سورية والأردن والسعودية، وهو متخصص في ترجمة القصص والتربية وتطوير الذات والتاريخ. ومن ترجماته:
علم نفس النجاح.
من يشد خيوطك.