الولع بالجذور.. ولادة “غيبلي”
الولع بالجذور.. ولادة “غيبلي”
لم يتخل ميازاكي عن عشقه لقصص المانجا المصورة، وقد أنتجت له العديد من المواد التي ستعينه على أفلامه المستقبلية، لكن كان بتلك القصص من الجموح والخيال ما يجعلها نوعًا من الملاحم الشعرية، ليست مجرد قصص هزلية تصلح للأسواق وشاشات التلفاز المنزلية، كان على ميازاكي أن يفكر كثيرًا حول لوحاته البصرية وموسيقاه التصويرية التي سيقدمهما إلى زبائنه، لكنه لن يتخلى بسهولة عن أدواته التي تمكنه من إطلاق العنان، ومع اختصار بعض الأفكار المعقدة، تمكن المخرج بالفعل من تقديم أفكاره العنيدة، كان العنصر الأنثوي طاغيًا بوضوح، ولكن على عينه وتحت رعايته، فنرى بطلاته ولا يسعنا وصفهن سوى بالحضن الكبير والأم اليابانية المثالية، فمنذ اللحظات الأولى في فيلم “ناوسيكا أميرة وادي الرياح” نرى تأكيدًا على نموذج البطل الراعي والمهموم، ليس بالبشرية ومصيرها فقط، ولكن بالطبيعة نفسها كذلك، وقد عاش ميازاكي عصر اليابان الصناعية، فكان الطبيعي أن نرى اليوتوبيا الخاصة به تحتفي بالطبيعة وبعالم خالٍ من عبث البشر.
يبدو أن ميازاكي لم يرغب في الرهان على ذوق الجماهير مرة أخرى بعد متاعب فيلمه الأول وتعقيدات القصة الأخلاقية، لكن أراد أن يعطيهم جرعة من المتعة والغموض، وقد أتاحت لهم إيرادات الفيلم السابق وشعبيته أن ينفصل فريق ميازاكي تمامًا عن الاستوديوهات اليابانية المعروفة، ويطمحوا إلى إنشاء منزلهم الخاص “غيبلي”، الاستوديو الذي سيضيف إلى تاريخ الأنمي الياباني حقبة جديدة، وكان الفيلم الأول للاستوديو بمنزلة وجبة افتتاحية واستعراض لأهم المؤثرات التي سترتكز عليها أفلام غيبلي في ما بعد، لكن الجرعة ستكون مخففة بعض الشيء في البداية، سيكون البطل فقيرًا ودراميًّا على هوى المشاهدين، وسيبدو الشرير نموذجًا كلاسيكيًّا لا يسعك إلا أن تتمنى هزيمته من البطل، كان فيلم “قلعة في السماء” هو البداية المضمونة للاستوديو الرائد.
الفكرة من كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
تعارف الجمهور واتفق على وضع أفلام الرسوم المتحركة بمنطقة قريبة من الهزل وبعيدة عن الواقع وجديته، إذ تسيطر عليها موضوعات يغلب عليها طابع البطولة الخيالية، ويقصد معظمها فئات عمرية بعينها، حتى أفلام الأنمي اليابانية التي اقتربت ولو قليلًا من متاعب العالم، لم تكن جدية بما يكفي ولم يكن أبطالها على ذلك القدر من التعقيد والتركيب البشري، لكن ميازاكي الذي أتى من عالم القصص المصورة و مجلات المانغا، لم يوافق على تطويع فنه وملامحه ليوافق الشاشة والجماهير، بل نقل هذا العالم المعقد والمليء بالمشاعر والسريالية إلى التليفزيون وفق رؤيته الخاصة.
وقد ظل السؤال مطروحًا: هل يمكن لمخرج أفلام متحركة أن يكون مبدعًا وتتساوى أفكاره وعالمه الخيالي بمبدعي الأفلام الواقعية؟ أجاب ميازاكي على هذا السؤال حتى قبل حصوله على الأوسكار، حين مزج في عالمه الخيالي بين مشكلات الواقع وأمل البشر في مستقبل أفضل، لقد أعطى جمهوره شيئًا فقدوه ثم نسوه.
مؤلف كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
سوزان جاي نابير: معلمة ولغوية أمريكية، ولدت سوزان عام 1955 م بكامبريدج في الولايات المتحدة الأمريكية، أكملت دراستها الجامعية بجامعة هارفارد حيث أتمت دراستها العليا كذلك، عملت سوزان في جامعة لندن، ومحاضرةً زائرةً في جامعة هارفارد، من أهم أعمالها:
Anime from Akira to Howl’s Moving Castle: Experiencing Contemporary Japanese Animation
From Impressionism to Anime: Japan as Fantasy and Fan Cult in the Mind of the West
The Fantastic in Modern Japanese Literature: The Subversion of Modernity
معلومات عن المترجم:
أحمد الزبيدي: كاتب وأديب ومترجم عماني، ولد عام 1945 م بمدينة ظفار في سلطنة عمان، وعاش طفولته متنقلًا بين عديد الدول العربية بغرض الدراسة، وتوفي عام 2018 م، من أهم أعماله:
سنوات النار.
امرأة من ظفار.
ترجمة رواية عامل المناخ.
ترجمة كتاب حروب وأساطير من معركة مجدو إلى سقوط روما.