الحلم الياباني.. صراع ومثابرة
الحلم الياباني.. صراع ومثابرة
يبدو أن سحر القارة الأوربية الذي كان مسيطرًا على الأمة اليابانية بعد الحرب لم ينج منه ميازاكي أيضًا، كان أبرز ما في البلاد حينها هو التغيير والاضطراب، ونظر اليابانيون إلى بلدان أوربا كمثال للرخاء المستقر والحضارة الراسخة، وتسلل هذا الإعجاب إلى أفلام ميازاكي أيضًا، وعبر مشاهداته عبر القارة في رحلاته لجمع قصص وأخذ الموافقات من مؤلفيها، فُتن ميازاكي بالريف والعمارة الأوربية، ومنذ ذلك الحين نما حب القلاع والحصون القوطية في قلبه واستولى على قصصه، ليست العمارة فقط، ولكن الأدب الأوربي الكلاسيكي كان له نصيب وافر من عقل المخرج الشاب، قصص الحب العشوائية واللصوص النبلاء، مع لمسة أخلاقية وسياسية لم يستطع أن يكتمها في نفسه، حيث تتحول القصص الترفيهية إلى ساحات لعرض مشكلات العالم، وينقلب الأبطال السطحيون إلى أفراد مهمومين بالمشكلات الأخلاقية فيمتلكون بعدًا أعمق من مجرد كونهم لصوصًا نبلاء ومستهترين.
لا تخفي هذه الأفلام الجميلة والمليئة بالإبداع وراءها إلا بيئة عمل تقترب من كونها جحيمًا حقيقيًّا، إذ يتطلب الفيلم الواحد آلافًا من الساعات وعديدًا من الأيام التي يضطر فيها الرسامون إلى المبيت في مكاتبهم، ويعد الحرمان من النوم أمرًا طبيعيًّا عندما يشرف الفيلم على النهاية، في البداية لم يكن أي من هذا ليمثل عائقًا أمام رجلنا الدبابة، لكن بعدما تزوج من زميلته في استوديو “توي”، وزادت العائلة أفرادًا جددًا، أصبح على أحدهما أن يتخلى عن هذه الصناعة، وقد بدت بشائر مسيرة ميازاكي منذ الأيام الأولى، فبقي هو داخل هذا الجحيم ونجت “أكيمي” إلى المنزل لتأخذ دور ساحرة الليل التي تضع الطعام على الطاولة وتلقي الأغطية على النيام.
الفكرة من كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
تعارف الجمهور واتفق على وضع أفلام الرسوم المتحركة بمنطقة قريبة من الهزل وبعيدة عن الواقع وجديته، إذ تسيطر عليها موضوعات يغلب عليها طابع البطولة الخيالية، ويقصد معظمها فئات عمرية بعينها، حتى أفلام الأنمي اليابانية التي اقتربت ولو قليلًا من متاعب العالم، لم تكن جدية بما يكفي ولم يكن أبطالها على ذلك القدر من التعقيد والتركيب البشري، لكن ميازاكي الذي أتى من عالم القصص المصورة و مجلات المانغا، لم يوافق على تطويع فنه وملامحه ليوافق الشاشة والجماهير، بل نقل هذا العالم المعقد والمليء بالمشاعر والسريالية إلى التليفزيون وفق رؤيته الخاصة.
وقد ظل السؤال مطروحًا: هل يمكن لمخرج أفلام متحركة أن يكون مبدعًا وتتساوى أفكاره وعالمه الخيالي بمبدعي الأفلام الواقعية؟ أجاب ميازاكي على هذا السؤال حتى قبل حصوله على الأوسكار، حين مزج في عالمه الخيالي بين مشكلات الواقع وأمل البشر في مستقبل أفضل، لقد أعطى جمهوره شيئًا فقدوه ثم نسوه.
مؤلف كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
سوزان جاي نابير: معلمة ولغوية أمريكية، ولدت سوزان عام 1955 م بكامبريدج في الولايات المتحدة الأمريكية، أكملت دراستها الجامعية بجامعة هارفارد حيث أتمت دراستها العليا كذلك، عملت سوزان في جامعة لندن، ومحاضرةً زائرةً في جامعة هارفارد، من أهم أعمالها:
Anime from Akira to Howl’s Moving Castle: Experiencing Contemporary Japanese Animation
From Impressionism to Anime: Japan as Fantasy and Fan Cult in the Mind of the West
The Fantastic in Modern Japanese Literature: The Subversion of Modernity
معلومات عن المترجم:
أحمد الزبيدي: كاتب وأديب ومترجم عماني، ولد عام 1945 م بمدينة ظفار في سلطنة عمان، وعاش طفولته متنقلًا بين عديد الدول العربية بغرض الدراسة، وتوفي عام 2018 م، من أهم أعماله:
سنوات النار.
امرأة من ظفار.
ترجمة رواية عامل المناخ.
ترجمة كتاب حروب وأساطير من معركة مجدو إلى سقوط روما.