مستقبل الألم
مستقبل الألم
وصلنا إلى السؤال الأهم، وهو: كيف نستغل ما تعلمناه حتى الآن لعلاج الشعور بالألم؟ على الرغم من كون النهج الدوائي يحمل العديد من العيوب، فإن العلماء ما زالوا في سعي مستمر، من أجل جعل الأدوية المتوافرة حاليًّا آمنة، فكما ذكرنا سابقًا يُعد الأفيون هو المسكن الأكثر استخدامًا لعلاج الألم المزمن، وأحد آثاره الجانبية المدمرة هي الإدمان، ويحدث هذا نتيجة لتنشيط مراكز المكافأة الموجودة في الدماغ، وتنصب كل الجهود الحالية في محاولة تجنب تفعيلها عند تعاطي الدواء، كما يحاول العلماء كذلك اكتشاف المزيد عن مستقبلات الماريجوانا، إذ تلعب هذه المادة دورًا فعالًا في علاج الألم العصبي المزمن، ولكن فسيولوجية عملها لا تزال غير واضحة تمامًا، ومن الممكن الاستفادة منها مستقبلًا.
يمتلك الألم مكونًا عاطفيًّا، كما أوضحنا من قبل، ومن الممكن لهذه الملاحظة المساعدة على علاج الألم، ويبدو هذا جليًّا في تبين قدرة الدواء الوهمي والتأمل وتحفيز مراكز المكافأة على تخفيف الشعور بالألم، بل والتلاعب بالوحدات العصبية المسؤولة عن إدراك وجوده، ويُعد التأمل القائم على اليقظة الذهنية أحدَ أفضل الأساليب غير الدوائية لعلاج الألم المزمن، ولكنه ليس عمليًّا بشكل كافٍ، إذ يتطلب الوقت والصبر والتفاني، والتعاون التام بين المعالج والمريض.
وفي محاولة لاستغلال ما تعلمناه من تجربة التأمل القائم على اليقظة الذهنية، ظهرت تقنيات إلكترونية تُحدث الأثر نفسه، وذلك من خلال التلاعب بالوحدات العصبية نفسها بشكل أسرع، ويكون هذا من خلال استخدام ما يُعرف بالتحفيز العميق للدماغ، الذي يتحكم في استثارة الخلايا العصبية في وحدة ما من خلال قطب كهربي مزروع في الدماغ، ولكن مع الأسف لم تنجح هذه الطريقة لدى جميع المرضى، كما أنها أدت إلى تلف في الأنسجة الدماغية، وقد طرأت تحسينات ملحوظة على هذه التقنية خلال الأعوام الماضية، كما زاد الجهد الموجه ناحية المشاريع التي ستساعد على فهم ترابطات الدماغ المختلفة، ما سيجعل هذه العملية أكثر دقة، وإحدى التقنيات التي ظهرت مؤخرًا كذلك، هي استثارة الخلايا العصبية باستخدام نبضات الضوء، في ما عُرف باسم البصريات الوراثية، وتعتمد هذه التقنية على تنشيط الأوبسينات، وهي بروتينيات طبيعية عابرة للغشاء الخلوي، وباستخدام الأطوال الموجية الصحيحة، قد تمكن هذه الأوبسينات العلماء من التحكم في الخواص الفيزيولوجية الكهربائية للخلايا العصبية بشكل انتقائي.
الفكرة من كتاب الدماغ والألم.. نقلة نوعية في علم الأعصاب
قد تشعر بالدهشة إذا عرفت أن الحاسة الأهم لدينا قد لا تكون حاسة البصر، ولكنها قدرتنا على الشعور بالألم، وكما أوضحت أعوام طويلة من الأبحاث، فإن الألم هو الشعور الأكثر أهمية للبقاء على قيد الحياة، فبفضل هذا الشعور المزعج ننتبه لمسببات الضرر، ونتجنبها، كما يمثل وجوده إشارة مهمة من عقولنا إلى أهمية الذهاب إلى الطبيب، فالشعور به دلالة على وجود مشكلة ما، والأمراض الأكثر فتكًا هي تلك المخادعة التي لا تحفز الشعور بالألم.
فما هي فسيولوجيا الشعور بالألم؟ وكيف تستجيب أجسادنا له؟ وما هي طرق العلاج الحالية؟ وما هو مستقبل الألم؟ يجيب كتابنا عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير.
مؤلف كتاب الدماغ والألم.. نقلة نوعية في علم الأعصاب
ريتشارد أمبرون: هو أستاذ بارز في علم الأمراض، وعلم الخلايا في كلية الأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا، ولمدة أربعين عامًا، تولى إدارة مختبر يبحث في الأسس الجزيئية لإعادة تجديد الأعصاب، والمسارات الجزيئية المسؤولة عن الألم.
معلومات عن المترجم:
إيمان معروف: طبيبة صَيْدَليَّة، سورية الجنسية، لها العديد من الترجمات المشهورة، ومنها:
النصف المتلاشي.
الحياة الخالدة لهنرييتا لاكس.