التسكين الناجم عن الإجهاد
التسكين الناجم عن الإجهاد
خلال الحرب العالمية الأولى لاحظ الأطباء أن الجنود لا يشعرون بالألم مباشرةً بعد التعرض لإصابات خطيرة، وأُطلق على هذه الظاهرة التسكين الناجم عن الإجهاد، ووُضعت عدة تفسيرات لهذه الظاهرة، كان أهمها افتراض أن للجسم آلية داخلية لتسكين الألم، تشبه في خصائصها المورفين، وأُطلق عليها الإندورفينات، وانطلق العلماء في محاولة إثبات وجودها، وذلك من خلال محاولات عزل المادة، وفي الوقت نفسه بدأ مجموعة من العلماء في دراسة التركيب الجزيئي للمشابك العصبية، إذ توقعوا أن الإندورفينات تمنع الألم عن طريق تعديل الوظيفة المشبكية، وبعد جهود مضنية تمكن العلماء باستخدام تقنية التصوير الإشعاعي من إثبات وجود مستقبلات الإندورفين، والتعرف على توزيعها في نهايات الخلايا العصبية،
وقدمت هذه النتائج أدلة دامغة على أن الإندورفينات ومستقبلاتها تمثل نظامًا داخليًّا، يمكن الجسم من تجنب شعور الألم في حالات الصدمة، ومن التطبيقات العملية التي نتجت عن هذه الدراسات، استخدام مضخات الأفيون التي تُزرع تحت الجلد، وتوفر الراحة من أنواع عدة من الألم المزمن، ولكن عيبها الأكبر يكمن في الآثار الجانبية الناتجة عن استخدامها لفترات طويلة، مثل: الهلوسة، وضيق التنفس، والتحمل، مما يعني احتياج الجسم لكميات أكبر من المورفين ليحفز آلية توقف الألم.
تظل الخطوة الأهم في محاولة تطوير أدوية تساعد على التخلص من الألم، هي تحديد الجزيء المستهدف ومستقبلاته، فالعديد من مسكنات الألم الفعالة حاليًّا عُرفت قديمًا بشكلها البدائي، واستُخدمت في الطب، ولم تصل هذه الأدوية إلى قدرتها الكاملة إلا مع تطور القدرة على عزل المواد الفعالة واستخدامها مباشرة، وأحد أشهر الأمثلة للمسكنات القديمة، هو الأفيون الذي يستخلص من بذور الخشخاش، وعند ذكر المسكنات الطبيعية لا يمكننا نسيان الماريجوانا المستخلصة من زهور القنب، وتعد فعالةً خصوصًا في تخفيف الألم الناتج عن الالتهابات المختلفة، وتكمن المشكلة هنا في أن هذه المسكنات لها العديد من الآثار الجانبية، كما أنها تؤثر في الوظائف الحيوية التي لا تتعلق بالألم.
ويحاول العلماء حاليًّا تحديد جزيء مناسب يمكن استهدافه لتسكين الألم، مع مراعاة ألا يتداخل عمل هذا الجزيء في أكثر من مسار، فعلى سبيل المثال يمكن لمسكن ما تثبيط خطوات مهمة تحدث في الجزيء مما سينتج عنه تثبيط الشعور بالألم، ولكن في الوقت نفسه قد ينتج عن هذا التثبيط منع وظيفة حيوية مهمة تؤثر في أكثر من خلية جسدية، ويجعلنا هذا نستنتج أن عملية تصنيع الأدوية شاقة وخطيرة.
الفكرة من كتاب الدماغ والألم.. نقلة نوعية في علم الأعصاب
قد تشعر بالدهشة إذا عرفت أن الحاسة الأهم لدينا قد لا تكون حاسة البصر، ولكنها قدرتنا على الشعور بالألم، وكما أوضحت أعوام طويلة من الأبحاث، فإن الألم هو الشعور الأكثر أهمية للبقاء على قيد الحياة، فبفضل هذا الشعور المزعج ننتبه لمسببات الضرر، ونتجنبها، كما يمثل وجوده إشارة مهمة من عقولنا إلى أهمية الذهاب إلى الطبيب، فالشعور به دلالة على وجود مشكلة ما، والأمراض الأكثر فتكًا هي تلك المخادعة التي لا تحفز الشعور بالألم.
فما هي فسيولوجيا الشعور بالألم؟ وكيف تستجيب أجسادنا له؟ وما هي طرق العلاج الحالية؟ وما هو مستقبل الألم؟ يجيب كتابنا عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير.
مؤلف كتاب الدماغ والألم.. نقلة نوعية في علم الأعصاب
ريتشارد أمبرون: هو أستاذ بارز في علم الأمراض، وعلم الخلايا في كلية الأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا، ولمدة أربعين عامًا، تولى إدارة مختبر يبحث في الأسس الجزيئية لإعادة تجديد الأعصاب، والمسارات الجزيئية المسؤولة عن الألم.
معلومات عن المترجم:
إيمان معروف: طبيبة صَيْدَليَّة، سورية الجنسية، لها العديد من الترجمات المشهورة، ومنها:
النصف المتلاشي.
الحياة الخالدة لهنرييتا لاكس.