الإدمان ليس مشكلة أخلاقية أو ضعفًا في الإرادة.. نظرة جديدة إلى الإدمان
الإدمان ليس مشكلة أخلاقية أو ضعفًا في الإرادة.. نظرة جديدة إلى الإدمان
كان يُنظر إلى المدمن باعتباره مشتهيًا باحثًا عن المتعة لا يهتم بالنتائج ومن ثَم يُدمر نفسه، والآن لم يعد يُنظر إلى الإدمان بوصفه مشكلة في التحكم في الذات أو مشكلة أخلاقية، والمدمن ليس ضعيفًا أو عديم القيمة، فالإدمان مرض والمدمن لديه اضطراب وعدم قدرة على التكيف مع نفسه من الداخل، من صدمات الطفولة وعدم التعرف على المشاعر، ومع الواقع الخارجي، من اضطراب في العلاقات ومواجهة الضغوط، فيهرب من نفسه ومن الواقع، وعندها يكون الإدمان ليس المشكلة وإنما حل قاصر لمشكلة، ولذلك فإن محاربة الإدمان لا تُجدي نفعًا، بل ما يُجدي نفعًا هو تعزيز القدرة على التوافق مع النفس والتأقلم مع العالم الخارجي، وتصحيح العلاقة معهما.
وعجز المدمن عن إدارة مشاعره ينتج عن عدة أنواع من اللَّبس أو الإشكال، فالمدمن لا يفرق بين الأفكار والمشاعر ومن ثم لا يتعامل صحيًّا معهما، فالمشاعر تتطلب التعرف عليها وقبولها دون أحكام ودون محاولة التخلص منها أو رفضها، لأن رفض الشعور يُضاعفه ويُضيف إليه القلق وتأنيب الذات، أما الأفكار فتُناقَش وتُرْفَض وتُصَحَّح، والمدمن كذلك لا يفرق بين المشاعر المختلفة ويعبر عنها بمسميات عامة غير محددة، فيستخدم مثلًا كلمة “مخنوق” لوصف مشاعره بدلًا من مُحبَط أو حزين أو قَلِق، ولا يفرق كذلك بين المشاعر والحدس فيتراجع عن أمور كثيرة لأنه فسر خوفه وانقباض قلبه بأنه حدس وهداية داخلية.
ويترتب على عجز المدمن عن التعرف على مشاعره واعتبارها خطرًا، تحولُها إلى الشعور الوحيد المفهوم بالنسبة إليه وهو الاشتهاء، كما يعاني ضعف الاستبصار الداخلي وخصوصًا الجسدي، فالرد على سؤال: «ما الذي تشعر به الآن؟» مهمة صعبة، ويُسِيء تفسير الأعراض الفسيولوجية والأحاسيس الجسدية.
الفكرة من كتاب ممتلئ بالفراغ: تأملات حول التعافي من الإدمانات والسلوكيات القهرية
كيف تنظر إلى المدمن ومعاناته؟ هل تعتقد أن كل ما يحتاج إليه المدمن قليل من الإرادة كي يتخلص من إدمانه وتستقر حياته؟ إن الإدمان أعمق من ذلك، وعلى العكس، ستفاجأ بمعرفة أن البناء النفسي للمدمن يحمل كثيرًا مما يعرفنا على شخصيته ومعاناته، إذًا لنفك شفرة الإدمان.
مؤلف كتاب ممتلئ بالفراغ: تأملات حول التعافي من الإدمانات والسلوكيات القهرية
عماد رشاد عثمان: طبيب نفسي وكاتب، ولد عام ١٩٨٦م، حاصل على بكالوريوس الطب، وباحث ماجستير في أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي، مهتم بالفلسفة واللغة والأدب والتحليل النفسي، وجمع بين اهتماماته فحصل على ليسانس اللغة العربية والثقافة الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ويقدم سلسلة بعنوان «فَهم التعافي» على منصة اليوتيوب وغيرها من الفيديوهات يُعين فيها المدمنين على خوض الرحلة ويوجههم فيها.
ومن أعماله:
أحببت وغدًا: التعافي من العلاقات المؤذية.
أبي الذي أكره: تأملات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة.