الحل النهائي.. النازيون بشر طبيعيون أكثر منّا!
الحل النهائي.. النازيون بشر طبيعيون أكثر منّا!
إن قدرة السلطة لا تتوقف عند حد طاعة الأوامر، بل تمتد إلى تعريف الواقع، وتغيير طرائق التفكير والتصرف المعتادة، وتطبيقًا على ذلك، حددت “جان إليوت”، وهي مُدرسة بإحدى المدارس الابتدائية، بشكل عشوائي أن الطلبة أصحاب العيون الزرقاء أفضل وأرقى من الطلبة أصحاب العيون البنية، وقدمت بعض الأدلة الاعتباطية على ذلك، لاحظت “إليوت” أن الطلبة أصحاب العيون الزرقاء رفضوا اللعب مع الطلبة أصحاب العيون البنية، وكانوا يتشاجرون في فترات الراحة، وضرب طفل من أصحاب العيون البنية آخر من أصحاب العيون الزرقاء،
لأنه سماه صاحب العيون البُنية! في اليوم التالي قالت “إليوت” للطلبة إنها أخطأت عندما قالت إن أصحاب العيون الزرقاء أرقى من غيرهم، والحقيقة أن أصحاب العيون البنية هم الأرقى والأفضل، وأصحاب العيون الزرقاء هم الأدنى، وقدمت أدلة مزيفة على ذلك، فتحول الوضع إلى النقيض، عندئذٍ تعجبت المعلمة من تحول الطلاب إلى طلبة فاسدين بعد أن كانوا يتسمون بالتعاون والاتزان!
إذًا كيف تحول ملايين من المواطنين الألمان الصالحين إلى قتلة وحشيين؟ من خلال التجارب السابقة، يمكننا التأكيد على أن طاعة السلطة كانت سببًا رئيسًا في عمليات القتل الوحشية، لقدرتها على إيجاد طاعة عمياء لأوامرها، إلى جانب قدرتها على تعريف الواقع بتغيير طرائق التفكير المعتادة، وتطبيقًا على ذلك، في أثناء محاكمة “أدولف إيخمان | Adolf Eichmann” وهو القائد النازي الذي أشرف على قتل الملايين في ما يُعرف بـ”الحل النهائي”، كان دفاعه الوحيد مثل غيره من القادة النازيين: “كنت أتبع الأوامر فحسب”، والعجيب أنه ظهر مثل أي شخص عادي تمامًا، حتى إن 6 من علماء النفس ممن تكلموا معه، وصفوه بأنه شخص طبيعي أكثر منّا، وأردفوا أن سلوكه العام تجاه زوجته وأطفاله وعائلته من السلوكيات الطبيعية المحمودة والمرغوبة!
الفكرة من كتاب تأثير الشيطان.. كيف يتحول الأخيار إلى أشرار؟
إذا ارتكب أي فرد فعلًا شائنًا أو ارتكب أي جريمة، فعلى الفور تتوجه أصابع الاتهام إلى طبيعته الإنسانية وجيناته وطباعه وميوله وفقًا للتفسير النزوعي، لكن زيمباردو يعارض هذا التفسير، ويستعيض عنه بالتفسير الظرفي للسلوكيات البشرية، إذ يرى أن الضغوط والقوى الظرفية والمواقف التي يتعرض لها الإنسان لها قدرة كبيرة على التأثير في سلوكه، ومن ثمَّ فهو يؤكد على أن الامتثال للمجموعة والانصياع للسلطة يمكن أن يهيمن على روح المبادرة في الفرد ويدمرها، وبين ذلك من خلال تجربة “سجن ستانفورد“
تلك التجربة التي كشفت لنا كيف يمكن لبشر عاديين وصالحين -قد نكون أنا وأنت منهم- أن يسقطوا ويرتكبوا أفظع الجرائم، ويقوموا بأفعال فاسدة ومؤذية ضد الآخرين، لذا فهو يقترح تبني نموذج الصحة العامة بدلًا من نموذج معالجة المرضى، ويؤكد على أن فهم دور الموقف والنظام في توجيه سلوك الفرد لا يعني إعفاءه من مسؤولية التورط في أفعال شريرة أو غير أخلاقية أو غير قانونية، ومن ثم فإن الكتاب محاولة لفهم سلوكيات البشر الشريرة، وليس تبريرًا لأفعالهم.
مؤلف كتاب تأثير الشيطان.. كيف يتحول الأخيار إلى أشرار؟
فيليب زيمباردو: هو أستاذ علم النفس المتقاعد بجامعة ستانفورد، وسبق له التدريس في العديد من الجامعات الأمريكية، تولى منصب رئيس جمعية الطب النفسي الأمريكية، وهو مدير مركز ستانفورد للسياسات الانضباطية والتعلم وأبحاث الإرهاب، ومن مؤلفاته:
The Shy Child: Overcoming and Preventing Shyness from Infancy to Adulthood
Shyness: What It I, What to Do About It
Psychology and Life
معلومات عن المترجم:
هشام سمير عناية الله: هو مترجم وباحث مصري، تخرج في كلية اللغات والآداب بجامعة ميلانو بإيطاليا، وتخصص في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومن ترجماته:
مختصر تاريخ الجنس البشري.
الحرب الهادئة.. مستقبل التنافس العالمي.
بنات إبراهيم، الفكر النسوي في اليهودية والمسيحية والإسلام.