عمر الإنسان
عمر الإنسان
إن الإجابة عن سؤال “كم عمرك؟” ليست بسيطة مطلقًا، فإن أجبت مثلًا: ثلاثون عامًا، أتقصد بهذه الثلاثين: عمر جسمك؟ أم عقلك؟ أم روحك؟ أم الثلاثة معًا؟ وهذه إجابة صحيحة، فقد يبلغ جسدك الثلاثين عامًا، ولكنه يبلغ في الوقت نفسه مليارات من السنوات، لأن كل ذراته تكونت عقب الانفجار الكبير، ولذا فإنك تحمل عمر الكون بداخلك، بالإضافة إلى أن الجسد نفسه متفاوت الأعمار، فقد يشيخ عضو من أعضاء الجسم ويظل الآخر شابًّا، ويرتبط عمر العقل بأعمار العقول الحالية والماضية، والروح يساوي عمرها عمر كل الذوات الروحية على مر التاريخ.
إن ظاهرة عمر الإنسان متعددة الأوجه، فلا يمكن تأويلها من خلال علم الأحياء فقط، لأن الإنسان نفسه لا يكفي تفسيره من هذا الجانب فقط. بعيدًا عن العمر البيولوجي والتطوري، يمتلك الإنسان عمرًا جيولوجيًّا وثقافيًّا، لأنه ينتمي إلى عالم يتخطى عمره عمر الإنسان بأشواط طويلة، وبذلك يكتسب عمرًا تاريخيًّا.
يؤثر العصر الذي يولد به الإنسان بظاهرة عمره البيولوجية والثقافية، وهذا ما يسمى بنسبية الفترة التاريخية التي لها نفس تأثير النسبيات الأخرى من العرق، والنوع، ومستوى الثقافة، والطبقة الاجتماعية.
لظاهرة العمر تأثيرات بعيدة؛ يمكن لعمر الإنسان أن يؤثر في ظواهر الأشياء ويخلق لها أعمارًا عدة، لأن ماهية الظاهرة تعتمد في الأساس على إدراك الإنسان للشيء، ومن ثم يختلف عمر الظاهرة مع تغير إدراك الإنسان لها في مراحل عمره المختلفة. ويتجلى إدراك الإنسان للأشياء عن طريق حركة الزمن، بالطريقة نفسها التي يتجلى بها إدراكه لمفهوم العمر، إذ ينظر إلى العمر كدالة خاصة بالزمن، ويرى الزمن كمخطط خطي يمر من خلاله العمر.
لم تتطور هذه الرؤية للعمر -مثلها مثل غيرها من القدرات التفكيرية- إلا من بضعة آلاف سنين، فالذكاء فتي جدًّا على خريطة الزمن التطوري، وهو الآلية التي تثير خوف الإنسان من المجهول لتحافظ على بقائه، وتجذبه للمجهول نفسه ليستكشف الأرض ويخترع الأدوات الضرورية للحياة، ويعتبر الذكاء المتنامي سمة من سمات خصيصة امتداد الطفولة الخاصة بتطور الإنسان.
الفكرة من كتاب الشباب: العمر من منظور التاريخ الثقافي
تفيض ظاهرة العمر في الحضارة الغربية على ظاهرة جديدة مثيرة للتساؤل، وهي بروز اختلافات عظيمة بين صاحب الأربعين عامًا اليوم وصاحب الأربعين عامًا من قرنٍ مضى، وحتى من عقدٍ مضى، بل ويمكننا القول من خمسة أعوام، ومع أن صاحب الأربعين اليوم هو نفسه صاحب الأربعين بالأمس من الناحية البيولوجية والتطورية، فكيف تتخطى هذه الاختلافات العميقة الهيئة الشكلية إلى السلوك، وأسلوب الحياة، والرغبات؟ ما السر؟
يحاول الكاتب اكتشاف السر من خلال البحث في التاريخ الثقافي للعمر، مع عرض مبسط لأعمار الإنسان المختلفة. وبالحديث عن العمر، كم عمرك؟ لك كل الوقت في التفكير! لأن الإجابة ليست سهلة أبدًا!
مؤلف كتاب الشباب: العمر من منظور التاريخ الثقافي
روبرت بوغ هاريسون: يعمل أستاذًا للأدب الإيطالي في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، حصل على الدكتوراه في الدراسات الرومانسية من جامعة كورنيل، لديه بودكاست بعنوان (Entitles Opinions about life and literature) يشارك فيه لمحات من الحياة والأدب وما بينهما، ألف عددًا من الكتب، أهمها:
Forests: The Shadow of Civilization
Gardens: An Essay on the Human Condition
The Dominion of the Dead
معلومات عن المترجم:
شحدة فارع: يعمل أستاذًا في قسم اللغويات الأجنبية في جامعة الشارقة، حصل على دكتوراه في اللغويات من جامعة كانساس، كما عَمِل أستاذًا في قسم اللغويات والترجمة في الجامعة الأردنية، من ترجماته:
“الطفل السعيد: تغيير جوهر التعليم”، لستيفن هاريسون.
“البحث الاجتماعي”، لسوتيريوس سارانتاكوس.
“التعليم العالي في مجتمع متعلم”، لجيرولد آبس.