البطل ملكًا
البطل ملكًا
البطل في صورة ملك، وهذا آخر أشكال البطولة، وهو ما نسميه “إمارة”، فأمير الناس وقائدهم من يصدر لهم الأوامر ويذعنون له ويقتدون به، وحين تسمع من يقول إن “روح الحكومة إسناد القضاء إلى نخبةٍ من القضاة يشتركون في إصدار الأحكام”، فلا يمكنك القول إلا أن خلاصة أعمال المجتمع الإنساني هي الاهتداء إلى أعقل رجال البلد وأفضلهم وأحزمهم، وتقليده الحكومة والسلطة والخضوع له وطاعته ليهدي الناس حسبما يرى عقله.
وأعقل الرجال هو أقواهم وأكرمهم وأبرهم وأرحمهم وقوله الفصل وليس فوق نصحه نصح، ولو تأملت لعلمت أن أصل كل فتنة وتاريخ كل ثورة سببه تولية الرجل العاجز، فالكذاب يجلب من على شاكلته وكذا الخائن، وتراهم الآن يحاولون الاستغناء عن الأبطال الأفذاذ بالجماهير العديدة المتساوية، بحجة الحرية والمساواة وأنه ليس لرجلٍ أن يسود ويقود، وأن الزعماء والقادة قد ظهر فسادهم، وحسبنا منهم ما كان.
وهذا المذهب فيه جانب من الحق وليس الحق كله، فهذا لم يكن إلا بسبب انتشار الأمثلة الزائفة التي جعلتهم يعتقدون أن المثال الحقيقي غير موجود، ولكن الحقيقة أن إجلال الأبطال في كل زمان ومكان، وليس مقتصرًا على إجلال الملوك والسادة والقادة، بل يمتد حتى انحناء الرجل لأخيه بالسلام، وقد ظهر كثيرٌ من أبطال العصور الأخيرة في الثورات على أنهم ثوار، ولكنهم أبناء النظام بالفطرة.
وهذه الفوضى التي يعمدون إليها ليست إلا لإصلاح الفاسد وخلق النظام وتنسيقه وإحكامه، وقد كانت أشد أعمال الثورة الفرنسية فوضوية وعنفًا تسير بالبلاد إلى النظام، وما دام هناك أناس كنابليون أو كرمويل ستتحول الفوضى إلى نظام لأن الإمارة والسلطة إن انمحت في زمن السلطة وعادت في شخصٍ من هؤلاء ظهرت الحقيقة وبان جوهرها، وهو أن الأبطال ما زالوا موجودين، وتاريخ نابليون وكرومويل آخر أصناف البطولة وتاريخها، والناظر في تاريخهما يرى ما يعيد عهد الملوك، ومعه البطولة لأنه يرى كيف تنشأ الإمارة، وكيف كان الملوك يولون يومئذٍ.
الفكرة من كتاب الأبطال
“لقد أصبح من العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب وأن محمدًا مخادع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة”..
يحاول توماس كارليل في كتابه هذا شرح معنى عبادة البطولة وأسباب تقديس العظماء على مر العصور، فيبدأ بالقدماء وعقيدتهم الوثنية وصولًا إلى وقته المعاصر ضاربًا أمثلة مختلفة بأسلوب بياني بديع.
مؤلف كتاب الأبطال
توماس كارليل Thomas Carlyle: كاتب اسكتلندي وناقد ساخر ومؤرخ، ولد في الرابع من ديسمبر عام 1795 ودرس القانون والأدب الألماني، وتأثَّر بالفلسفة المثالية الألمانية وكتب عن الثورة الفرنسية كتابًا يقع في مجلدين ضخمين عن اضطهاد الفقراء وحقق نجاحًا كبيرًا، وكان بعنوان “تاريخ الثورة الفرنسية”، كما كتب أيضًا “محمد المثل الأعلى”، و”فلسفة الملابس”، وتُوفِّي في 5 فبراير 1881 في لندن.