الأبطال الثلاثة
الأبطال الثلاثة
سيدوم هذا البطل الكاتب ما دامت هذه الصناعة العجيبة (الكتابة)، وهذه الحرفة (الطباعة)، وهو صنفٌ من الأبطال جديد، فإلى عهدٍ قريب لم يكن هناك رجل يعيش ويرتزق من هذا وينال منزلة وذكرًا بين الناس، والكُتَّابُ صنفان جيد ورديء شأن كل شيء في الوجود، أما الرديء فلا حاجة لنا به، والجيد هو من يدل بلفظه على الجودة ووظيفته كأشرف ما يكون وأعلى، فقد أرسله الله ليظهر الأسرار الكامنة تحت الظواهر لنفسه أولًا ثم يريها للناس، فهو سراج يستضاء به، وينير الدرب لغيره يحاول إدخالهم إلى المعاني الخفية، وإن لم يفعل فهو أفَّاك ومزور.
ومن هذه الوجهة يكون هناك كتاب ثلاثة أبطالًا وهم جونسون وبارنز وروسو، وثلاثتهم عانوا الفقر وضيق الحال، وقد كان لهم آفتان وهما عدم النظام وإلحاد القرن الثامن عشر وكفره، فالآفة العظمى هي ما ساد ذلك الزمن من شلل الأرواح وموت النفوس والأخلاق، وما كان فيه من كذبٍ وعدم إخلاص، وخلو جوه من الروعة والعجب والعظمة.
ولا عجب أن لم ينل أحد هؤلاء الثلاثة النصر المبين بسبب هذه الظروف، فجونسون مثلًا لم يكن مصابه مقتصرًا على فساد الروح، بل وفساد النظام والفقر الذي حبس رزقه عند قرشين في اليوم، إلا أنه كان شريف الطبع يلتهم كل ما يقابله من فوائد، وكان بطلًا شاعرًا بما يعرب عن معانٍ شريفة، فقد قدم الخير للعالم رغم المكاره التي تحيطه.
أما روسو فهو بطلٌ مشوَّه إذ كان يعوزه الصبر والصمت ورغم هذا نذكره لوجود أولى صفات البطولة فيه وهي الإخلاص، وقد أظهر الحقيقة في عصره بما كتب عن العقد الاجتماعي وغيره، ووجدت الثورة الفرنسية إنجيلها في كتاباته، أما بارنز فبطل كبير في زي فلاح، من أكبر نوابغ البريطانيين في القرن الثامن عشر، وشعره على ما فيه من قوة شيء يسير من كنوز فضله، وحديثه المرتجل كان أبدع من شعره، فكان أعجوبة القوم، وكان نافذ البصيرة، كامل المروءة، صاحب همة سامية، ولا يعزينا عن شقاء هؤلاء الأبطال أنهم لم يخلوا من إجلال بعض الناس لهم.
الفكرة من كتاب الأبطال
“لقد أصبح من العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب وأن محمدًا مخادع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة”..
يحاول توماس كارليل في كتابه هذا شرح معنى عبادة البطولة وأسباب تقديس العظماء على مر العصور، فيبدأ بالقدماء وعقيدتهم الوثنية وصولًا إلى وقته المعاصر ضاربًا أمثلة مختلفة بأسلوب بياني بديع.
مؤلف كتاب الأبطال
توماس كارليل Thomas Carlyle: كاتب اسكتلندي وناقد ساخر ومؤرخ، ولد في الرابع من ديسمبر عام 1795 ودرس القانون والأدب الألماني، وتأثَّر بالفلسفة المثالية الألمانية وكتب عن الثورة الفرنسية كتابًا يقع في مجلدين ضخمين عن اضطهاد الفقراء وحقق نجاحًا كبيرًا، وكان بعنوان “تاريخ الثورة الفرنسية”، كما كتب أيضًا “محمد المثل الأعلى”، و”فلسفة الملابس”، وتُوفِّي في 5 فبراير 1881 في لندن.