العواطف تزعج القانون
العواطف تزعج القانون
تَعلمنا أن كل ثقافة لها قواعدها الخاصة بالعواطف، تحدد كيف ومتى يُعبر عنها، والقانون الجنائي جزء من تلك القواعد، ومع الأسف الشديد لا يزال متأثرًا بالنظرية الكلاسيكية للعواطف، معتقدًا وجودها منفصلة بذاتها، وأنها انفعالية تسلب عقل المرء وإرادته، وهو ما يتضح عند النظر في عقوبات الجرائم ذات الطبيعة العاطفية، المتّسِمة بالانخفاض مقارنة بنظائرها في جرائم أخرى، فمثلًا قتل الزوجة الخائنة بدافع الغضب عقوبته أقل من القتل العادي.
وبهذا يفترض القانون الجنائي أن الغضب يسيطر على الأفعال لدرجة تؤدي إلى تحفيز المرء لارتكاب جريمة القتل، بالإضافة إلى فقدانه السيطرة المنطقية وانفصالها عن العواطف، وهو ما بينا عدم صحته في الفقرات السابقة، فالغضب لا يستدعي القتل ردَّ فعل، لأن العواطف ليست ردود أفعال، بل أفعال تشييدية مبنية على خبرات ومفاهيم، كما أن الدماغ لا يفصل بين العواطف والمنطق، فلا حدود بين ما هو عقلاني وغير عقلاني.
يقف القانون على فكرة أساسية مفادها معيار معين لكيفية التصرف الصحيحة، وهذا يتطلب وجود شخص منطقي معيارًا للأفراد، وهو ما لا يتوافر، بالإضافة إلى تحيز القانون إلى الرجال، بتمييزه بعض أحوالهم من المرأة في قضايا ذات طبيعة عاطفية، فالمرأة التي تقتل زوجها من جراء خيانته تعاقب بدرجة قتل أعلى من زوجها في حال تبدل الأدوار، وهي نتيجة طبيعية لصورة نمطية خاطئة عن اختلاف العواطف بين المرأة والرجل، فبوصفها كائنًا عاطفيًّا فلديها قدرة أعلى في التحكم بعواطفها على عكس الرجل، ولا ننسى تهاون القانون عند الحديث عن الأذى العاطفي.
أما بالنسبة إلى مكونات النظام القانوني نفسه، فهيئة المحلفين لا يستطيعون -علميًّا- تحديد عواطف المجرم أو ذمته، بناءً على تعابير وجهه وحركات جسده كما وضحنا سابقًا، ولكنهم يخمنون باطن ما يرونه، كما أن القاضي لا يمكنه عزل مشاعره وعواطفه عن القضايا التي يحكم فيها، التي بعد انتهائها يخضع العديد منهم لعلاج نفسي وسلوكي للتعافي من آثار مهنته.
الفكرة من كتاب كيف تُصنع العواطف.. الحياة السرية للدماغ
دائمًا ما نسمع تبريرات لأفعال خاطئة مثل “لقد أثار غضبي” أو “كنت مكتئبًا وحزينًا وقتها”، معتقدين أن عواطفنا ومشاعرنا مجرد ردود أفعال على ما حولنا، نفقد معها القدرة على التحكم في أنفسنا، فنرمي المسؤولية على تلك العواطف والمشاعر الخارجة عن السيطرة.
ولكن تلك رؤية قديمة خاطئة للعواطف والمشاعر، فهي ليست ردود أفعال انفعالية لحظية، بل يمكننا التحكم فيها، بالإضافة إلى أننا لا نولد بها كجزء ثابت مميز، ولهذا فإن الحل يكمن في فهم نظرية العواطف المبنية، لنعرف التصور الصحيح عن عواطفنا ومشاعرنا والفرق بينها، وكيف ينعكس ذلك على جوانب حياتنا المختلفة، وهل ستتغير نظرتنا إلى أنفسنا إلى الأفضل أم لا.
مؤلف كتاب كيف تُصنع العواطف.. الحياة السرية للدماغ
ليزا فيلدمان باريت: عالمة نفس وأعصاب أمريكية من أصل كندي، ولدت في تورونتو عام 1963م، وحصلت على الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي عام 1992م، تعمل بروفيسورة علم النفس في جامعة North Eastern حيث تشارك في إدارة مختبر العلوم الوجدانية المتعددة التخصصات، بالإضافة إلى عملها محاضِرة في كلية الطب بجامعة هارفارد، توصف بأنها أهم عالمة في مجال العواطف والمشاعر البشرية، وحصلت على عديد من الجوائز مثل جائزة Pioneer لمدير المعاهد الوطنية للصحة، بجانب جائزة المعلم لجمعية العلوم النفسية، أما عن أعمالها فتنشر مقالات بانتظام وتظهر في البودكاست والعروض الإذاعية لتبسط العلوم للجمهور، ولها كتاب آخر بعنوان:
سبع دروس ونصف حول الدماغ.
معلومات عن المترجم:
إياد غانم: مترجم له عدة أعمال، وهي:
كيف وصلنا إلى الآن.
كما شارك في تأليف كتاب: كيمياء الحياة.