العواطف حقائق اجتماعية
العواطف حقائق اجتماعية
إذا سقطت شجرة في غابة فارغة، هل ستصدر صوتًا؟ سنجيب من خلال حدسنا العام بـ”نعم” إجابةً تبدو بدهية، ولكن العلم يخبرنا بأن الصوت لا وجود له في الطبيعة إلا من خلال من يدركه، أي إن اصطدام الشجرة بالأرض يسبب اهتزاز جزيئات الهواء، مصدرة ترددات معينة تلتقطها آذاننا وتترجمها إلى صوت، ولكن إذا لم نلتقطها فلن يكون هناك صوت، بل مجرد جزيئات مهتزة، إذا صَعُب عليك تخيل الأمر فإن آذاننا لا تلتقط الأصوات إلا داخل مدًى محدد من الترددات، وتتجاهل ما فوقه أو تحته، فتخيل عدد الأصوات الكونية التي تفوتنا! يمكننا تطبيق المفهوم نفسه على الألوان، فهي غير موجودة في الطبيعة بذاتها، ولكنها مرتبطة بوجود أعين بشرية مراقبة تدرك أطوالًا موجية معينة وتترجمها إلى أزرق وأحمر.
وعلى النمط نفسه يمكننا القول إن العواطف ليست جزءًا من الطبيعة، بل تحتاج إلى أن تُدرَك، فهي حقائق اجتماعية مبنية داخل أدمغتنا، نحتاج إلى مفاهيم لإدراكها وكلمات للتعبير عنها، وإذا نظرنا إلى الحضارة فسنجدها بأكملها مبنية على مقدرتنا على منح الأشياء المادية الطبيعية معاني ذهنية مجردة، فأوراق النقود والهواتف والسيارات، إلى آخر المنتجات، تستمد أهميتها وقيمتها من أدمغتنا، وتورث تلك المفاهيم والمعاني داخل الواقع الاجتماعي الثقافي للبيئة.
بعد أن علمنا طبيعة العواطف، كيف يمكننا التحكم فيها؟ ستبدو الإجابة تقليدية، لكن الأبحاث المختلفة في علم النفس والأعصاب ترشدنا إلى ممارسة روتين يومي بجانب ضبط مواعيد النوم وكميات الطعام، فعلى عكس الشائع، الأفكار السيئة لا تنتج عادات وعواطف سيئة، بل العواطف والعادات هي المسؤولة عن ميزانية الطاقة، والهدف هو الحفاظ عليها متوازنة، ويمكننا أيضًا تقوية مفاهيمنا عبر خوض خبرات مختلفة، لنتمكن من تصنيف العواطف المتداخلة وتحديد أسباب السيئة منها، والتدرب على كيفية التعبير عنها بالكلمات.
الفكرة من كتاب كيف تُصنع العواطف.. الحياة السرية للدماغ
دائمًا ما نسمع تبريرات لأفعال خاطئة مثل “لقد أثار غضبي” أو “كنت مكتئبًا وحزينًا وقتها”، معتقدين أن عواطفنا ومشاعرنا مجرد ردود أفعال على ما حولنا، نفقد معها القدرة على التحكم في أنفسنا، فنرمي المسؤولية على تلك العواطف والمشاعر الخارجة عن السيطرة.
ولكن تلك رؤية قديمة خاطئة للعواطف والمشاعر، فهي ليست ردود أفعال انفعالية لحظية، بل يمكننا التحكم فيها، بالإضافة إلى أننا لا نولد بها كجزء ثابت مميز، ولهذا فإن الحل يكمن في فهم نظرية العواطف المبنية، لنعرف التصور الصحيح عن عواطفنا ومشاعرنا والفرق بينها، وكيف ينعكس ذلك على جوانب حياتنا المختلفة، وهل ستتغير نظرتنا إلى أنفسنا إلى الأفضل أم لا.
مؤلف كتاب كيف تُصنع العواطف.. الحياة السرية للدماغ
ليزا فيلدمان باريت: عالمة نفس وأعصاب أمريكية من أصل كندي، ولدت في تورونتو عام 1963م، وحصلت على الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي عام 1992م، تعمل بروفيسورة علم النفس في جامعة North Eastern حيث تشارك في إدارة مختبر العلوم الوجدانية المتعددة التخصصات، بالإضافة إلى عملها محاضِرة في كلية الطب بجامعة هارفارد، توصف بأنها أهم عالمة في مجال العواطف والمشاعر البشرية، وحصلت على عديد من الجوائز مثل جائزة Pioneer لمدير المعاهد الوطنية للصحة، بجانب جائزة المعلم لجمعية العلوم النفسية، أما عن أعمالها فتنشر مقالات بانتظام وتظهر في البودكاست والعروض الإذاعية لتبسط العلوم للجمهور، ولها كتاب آخر بعنوان:
سبع دروس ونصف حول الدماغ.
معلومات عن المترجم:
إياد غانم: مترجم له عدة أعمال، وهي:
كيف وصلنا إلى الآن.
كما شارك في تأليف كتاب: كيمياء الحياة.