العواطف والمشاعر ليست ردود أفعال
العواطف والمشاعر ليست ردود أفعال
أليست مشاعرنا وعواطفنا ردود أفعالنا على العالم من حولنا؟ يُجيبنا علما الأعصاب والنفس بـ”لا”، إن الدماغ مصمم للتفاعل مع العالم بناءً على خبراته المألوفة، ويحاكي الشعور أو العاطفة بعد تلقيه كميات كبيرة من المدخلات الحسية، أي إن دماغنا يبني ما نشعر به تجاه بيئتنا معتمدًا على الخبرة التي مررنا بها، لذلك لا ندرك العواطف منفصلة، بل من خلال سياق يحددها، فلا يكفي أن نرى وجهًا مبتسمًا لنقول إن صاحبه سعيد، بل يجب أن نطّلع على مزيد من التفاصيل ونرى ما الذي يمارسه ويختبره، وهذه طريقة منحنا معنًى للضجيج الخارجي.
يعد الحس الباطني أحد مكونات العواطف الأساسية، وهو طريقة تصوير الدماغ لكل المشاعر، وقديمًا اعتُقد أن عصبونات الدماغ تخضع لثنائية المثير والاستجابة فقط، فلو رأيت شيئًا يبعث على الحزن فإنك ستبكي، وهو معتقد خاطئ، لأن العصبونات مجموعات محفزة ذاتيًّا في نشاط مستمر، ولا يقتصر دورها على ردود انفعالية، وتلك المجموعات مسؤولة عن الأحلام والتفكير والمحاكاة، بجانب الحركة ودورة التنبؤ، وهي العملية المنتجة للقرار والمشاعر، فالدماغ يتنبأ أولًا بالظروف الخارجية، هل سيسقط الهاتف؟ هل المدير غاضب؟ وبعدها يأتي دور المحاكاة، وهو تصرفنا تجاه التنبؤات، ثم نقارن مدى صحتها وتطابقها مع الظروف الخارجية، لنصل إلى مرحلة التصحيح، ثم تعاد دورة التنبؤ من جديد.
يتطلب الحس الباطني حدوث تغييرات جسدية داخلية، لتغيير ميزانية الطاقة في جسمك، فإذا تنبأت بموقف تحاكي فيه الغضب، وكنت تعبر عنه بالصراخ، فإن جسدك يعيد تنظيم طاقته لتوفير ما تحتاج إليه للتعبير عن الغضب، وإذا كانت المشاعر التي تراودك يوميًّا بسيطة ومتغيرة فإنها تقع داخل نطاق الوجدان، وهو مدى شعورك بالسرور من عدمه أو الهدوء أو الاضطراب، وتتأثر التغيرات الوجدانية بالعوامل المحيطة، لتحفزك بتغيير ميزانية الطاقة في جسدك، وهو ما يؤثر في ما تراه أو تسمعه، ولهذا فقط تغضب من زميلك لأن الطقس حار، أو يجعلك الخوف ترى سلاحًا حادًّا غير موجود.
الفكرة من كتاب كيف تُصنع العواطف.. الحياة السرية للدماغ
دائمًا ما نسمع تبريرات لأفعال خاطئة مثل “لقد أثار غضبي” أو “كنت مكتئبًا وحزينًا وقتها”، معتقدين أن عواطفنا ومشاعرنا مجرد ردود أفعال على ما حولنا، نفقد معها القدرة على التحكم في أنفسنا، فنرمي المسؤولية على تلك العواطف والمشاعر الخارجة عن السيطرة.
ولكن تلك رؤية قديمة خاطئة للعواطف والمشاعر، فهي ليست ردود أفعال انفعالية لحظية، بل يمكننا التحكم فيها، بالإضافة إلى أننا لا نولد بها كجزء ثابت مميز، ولهذا فإن الحل يكمن في فهم نظرية العواطف المبنية، لنعرف التصور الصحيح عن عواطفنا ومشاعرنا والفرق بينها، وكيف ينعكس ذلك على جوانب حياتنا المختلفة، وهل ستتغير نظرتنا إلى أنفسنا إلى الأفضل أم لا.
مؤلف كتاب كيف تُصنع العواطف.. الحياة السرية للدماغ
ليزا فيلدمان باريت: عالمة نفس وأعصاب أمريكية من أصل كندي، ولدت في تورونتو عام 1963م، وحصلت على الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي عام 1992م، تعمل بروفيسورة علم النفس في جامعة North Eastern حيث تشارك في إدارة مختبر العلوم الوجدانية المتعددة التخصصات، بالإضافة إلى عملها محاضِرة في كلية الطب بجامعة هارفارد، توصف بأنها أهم عالمة في مجال العواطف والمشاعر البشرية، وحصلت على عديد من الجوائز مثل جائزة Pioneer لمدير المعاهد الوطنية للصحة، بجانب جائزة المعلم لجمعية العلوم النفسية، أما عن أعمالها فتنشر مقالات بانتظام وتظهر في البودكاست والعروض الإذاعية لتبسط العلوم للجمهور، ولها كتاب آخر بعنوان:
سبع دروس ونصف حول الدماغ.
معلومات عن المترجم:
إياد غانم: مترجم له عدة أعمال، وهي:
كيف وصلنا إلى الآن.
كما شارك في تأليف كتاب: كيمياء الحياة.