تحدي التكنولوجيا.. ضغائن قديمة
تحدي التكنولوجيا.. ضغائن قديمة
يبدو أن الهند عاشت حربها الخاصة أيضًا، فبالنسبة إلى دولة يعيش معظم أفرادها على الزراعة، ستكون السنوات الأولى من المستقبل التكنولوجي كابوسًا لهذا الشعب، إذ تقام المعامل على حقول الأرز، وتنشئ شركات التكنولوجيا مقراتها على أطلال القرى القديمة، يفهم المزارعون أن هذا المستقبل لا يضعهم في حسبانه، بل يرى أن طريقتهم التقليدية في الزراعة لم تعد صالحة منذ الآن، ولم تكن هذه هي المشكلة، فقد أدرك الفلاحون منذ أيام المجاعات أن الإصرار على هذه الطريقة في الزراعة لن يجلب لهم سوى الكثير من الخسائر وحالات الانتحار، ومع خراب المحاصيل وتراكم الديون على الأسر البسيطة، يجد أرباب الأسر خلاصهم في الهروب من مسؤولية الحياة التعيسة.
وفيما بدت أنها وسيلة النجاة التي يقدمها العلم للهند، لم تحظ التكنولوجيا الرائدة للمحاصيل المعدلة وراثيًّا بالاستقبال والحماس المتوقع، كانت تلك التكنولوجيا تَعِد المزارعين بالخلاص من المشكلات التي تجعل حياتهم جحيمًا، فلن يكون عليهم القلق إزاء نقص المياه أو درجات الحرارة أو المحصول الضئيل، لكن كان بوسع المشاعر القديمة أن تقوض كل هذه الأحلام، ولأن مُلاك هذه التكنولوجيا وموزعيها داخل الهند كانوا شركات غربية لا تهتم إلا بالسعر وتكلف المزارعين أثمانًا باهظة،
عادت إلى الأذهان من جديد أشباح الاستعمار البريطاني وأساليبه الاستغلالية، غير أن الحكومة التي يبدو أنها فهمت ما يريده شعبها هذه المرة، رأت أن هذه التكنولوجيا إذا طُورت بأيادٍ هندية فستصنع مستقبلًا مختلفًا، وبالفعل في تلك القرى التي اعتاد قاطنوها العمل الشاق وخيبة الأمل، حُسمت المعركة، فهؤلاء المزارعون لن يهتموا كثيرًا بسجالات التكنولوجيا إذا نَعموا بمحصول وفير ومائدة عامرة.
الفكرة من كتاب أمة من العباقرة: كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم؟
ظلت الهند ترزح طويلًا تحت ظلمات الجهل حتى انتهبتها يد الاستعمار، لكن العجيب أن أولئك الأسيويين يبرزون الآن في وادي السيليكون وفي شركات الغرب العملاقة، لا يكتفون بالمهام الروتينية ولا يهتمون كثيرًا بتلك المناصب التي يسعى إليها الجميع في أعلى الهرم، لقد خرج بعضهم من البلاد سعيًا إلى عيش أفضل، لكن الكثيرين لم تزل في أذهانهم تلك الصورة من بلاد تطلب منهم يد العون، يبدو أن عصر هجرة العقول على وشك النهاية، وها هي خيالات جديدة تبزغ في الأراضي الهندية، عيون تتطلع إلى القوى العظمى في العالم وتطمح إلى ريادة الواقع بعد أن ملكوا الخيال لقرون.
مؤلف كتاب أمة من العباقرة: كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم؟
أنجيلا سايني: صحفية ومذيعة وكاتبة بريطانية، وُلدت بلندن عام 1980، درست أنجيلا الهندسة الميكانيكية بجامعة أكسفورد، حيث حصلت على درجة الماجستير، كما عملت كاتبة متخصصة في العلوم والتقنية، ونشرت العديد من أعمالها في مجلات بي بي سي، والجارديان وإيكونوميست، من أعمالها:
Inferior: How Science Got Women Wrong—and the New Research That’s Rewriting the Story
The Patriarchs: The Origins of Inequality
Superior: The Return of Race Science
معلومات عن المترجم:
طارق راشد عليان: كاتب ومحرر ومترجم مصري، عمل مع العديد من المؤسسات الثقافية العربية، مثل المركز القومي للترجمة، ومشروع “كلمة” أبو ظبي، من أعماله:
إمبراطور الأمراض، لسيدهارتا موخيرجي.
فن الحرب القديم، لهاري سايدبوتون.
فلسفة الرياضة، لستيفن كونور.