الإنسان عقل وغريزة
الإنسان عقل وغريزة
لإتقان فن الحياة علينا إدراك أن الإنسان يتكون من مركّبين هما الغريزة والعقل، الغريزة هي الجزء الثابت الذي يقوم به الإنسان دون تفكير، كالعادات التي ورثها عن مجتمعه وعائلته، والعقل هو الجزء الذي يسمو به الإنسان فوق الغريزة لأنه الجزء الذي يتعلم وينمو ويصحح به نفسه، فبالعقل والفكر استطاع الإنسان دائمًا أن يدرك الغرائز من حوله على حقيقتها، فيسمو فوقها بالفكر ليكتب العلوم والثقافة والأدب، ويصنع الحضارة التي ما هي إلا ثمرة لفكر الإنسان وعقله.
وجانبنا العقلي -رغم روعته- لا يمكننا استعماله وحده دون الجانب الغريزي، فلا يوجد إنسان يعيش بالاعتماد على الوجدان فقط متجاهلًا غريزته بشكل تام، فالهدف من عيشك حياة سعيدة ليس أن تنكر هذا الجانب فيك، ولكن أن تتقبل وجوده وتعمل على التوفيق بينه وبين جانبك العقلي بمراعاة أن نسلط جانبنا العقلي على جانب الغريزة ليحد من قوة اندفاعها، فالحياة الحكيمة تقتضي أن نهذب غرائزنا وننمي عقولنا.
وبداية هروبنا من حياة الغرائز الخاملة تكمن في إيجاد هدف سامٍ يمنحنا النشاط للسعي تجاهه، فركوننا إلى حياة الدعة والخمول الذهني هو أول ما علينا أن نهجره ونستبدل به حياة مليئة بالاختبارات والتحديات التي نؤكد بها أنفسنا فنزداد سخاءً وتفاؤلًا بالحياة لا بخلًا وتشاؤمًا، فالبخل هنا ليس بخل المال وإنما البخل هو الخوف من الحياة، الخوف من خوض مزيد من الاختبارات والاكتفاء بالحياة الخاملة الساكنة، فالبخيل في الحياة هو من لم يعِش ملء حياته ولم يسعَ إلى هدف أسمى من همومه ومشكلاته الخاصة.
الفكرة من كتاب فن الحياة
الإنسان يشبه الحيوان من الناحية البيولوجية، فكلاهما يأكل ويشرب ويتناسل، ولكن الإنسان يمتاز من الحيوان بعقله الذي يستطيع أن يسلطه على غريزته فيكبحها ويسيطر على كيفية تدفقها، بينما الحيوان تحركه غريزته دون وعي منه، وبكبح غريزته تمكن الإنسان من توجيه عقله إلى صنع الثقافة والفنون والأدب والحضارة، محولًا بهم المألوف من الطبيعة إلى شكل من أشكال الجمال نستلذ به ونزداد به استمتاعًا بالحياة.
وبالرغم من ذلك فما زال هناك عديد من الناس الذين يعيشون على الضرورات البيولوجية فقط، منساقين وراء مواريث وقيم المجتمع بشكل قائم على الغريزة والعاطفة، فهم يأكلون ويشربون ويشترون الملبس، ويستزيدون من الأموال معتقدين أنهم هكذا يعيشون حياتهم سعداء، ولكنها سعادة كاذبة تجعل أصحابها ذاهلين خاملين يكتفون بالعيش على سطح الحياة دون أن يعيشوا عمقها، دون أن يستعملوا فكرهم وعقلهم ليصلوا إلى السعادة الحقيقية التي لا تخضع لمعايير المجتمع وسعادته الزائفة.
مؤلف كتاب فن الحياة
سلامة موسى: صحفي مصري ولد عام 1887م في محافظة الشرقية، سافر إلى فرنسا وقضى فيها ثلاث سنوات التقى فيها بعديد من الفلاسفة والمفكرين الغربيين، ثم انتقل بعدها إلى إنجلترا وقضى فيها أربع سنوات يدرس الحقوق ويقرأ مؤلفات الاشتراكيين مثل كارل ماركس وغيره، وعندما عاد إلى مصر كان رائد الحركة الاشتراكية وصاحب أول كتاب عن الاشتراكية في الوطن العربي، وأصدر كلًّا من مجلة المستقبل والمجلة الجديدة، وتولى رئاسة مجلة الهلال لمدة ست سنوات، وشارك في تأسيس الحزب الاشتراكي المصري، وتُوُفِّيَ سنة 1958 عن عمر يناهز واحدًا وسبعين عامًا، تاركًا خلفه عديدًا من المؤلفات مثل:
أحاديث إلى الشباب.
الشخصية الناجعة.
الأدب والحياة.