أمة الضحايا وحركة العصر الجديد
أمة الضحايا وحركة العصر الجديد
تُعد كثير من قواعد علم النفس الذاتي مستمدة في الأساس من علم الاقتصاد، ومن ثمَّ إذا انتكس الاقتصاد وتدهور فإن الأفراد الغارقين في الذاتية سيعتريهم الشك في أنفسهم وهويتهم، لأنه من الراجح في أثناء الأزمات الاقتصادية أن يفقدوا وظائفهم أو أموالهم بما لا يسمح لهم بتحقيق الذات، وخلال السنوات الأخيرة شعر الأمريكيون -مِمَّن تقل سنهم عن أربعين عامًا- أن طموحاتهم الاقتصادية والمهنية محبطة، وأحس عدد كبير منهم أن حياتهم المهنية وحتى علاقاتهم الشخصية مثلت لهم خيبة أمل كبيرة، وبسبب تشبُّع هؤلاء بالنظرية الذاتانية، جعلوا أنفسهم ضحايا، مُلقين باللوم على الآخرين، فإذا فشلت طموحاتك الشخصية والمهنية، فأنت ضحية لعائلة مختلة وظيفيًّا، أو ضحية لإساءة الوالدين، أو ضحية لعلاقة سامة، المهم أنك ضحية بشكل من الأشكال، ومن الأمثلة العجيبة على ذلك، عندما فُصل أحد الموظفين بسبب تأخره الدائم عن عمله، أصر أنه كان ضحية متلازمة التأخر المزمن، لقد أصبح سكان العالم مجموعة من المتذمرين بسبب علم النفس الذاتي!
وخلال السنوات الماضية ظهرت حركة جديدة تعرف باسم “حركة العصر الجديد”، ترفض هذه الحركة العلم والفلسفة العلمانية والدين التقليدي على حد سواء، ففي نظرها فشلوا في تخليص المجتمع من العلل التي تعتريه، ويقوم فكرها على اكتشاف الإمكانيات الكامنة في الإنسان كمصدر لتحوله إلى شخص إيجابي، ويقوم منهجها على النشاط النفسي والروحي بعيدًا عن الأخلاق والقيم والدين، وتقوم معتقداتها على أن الإله هو قوة الحياة أو طاقة نقية تلغي الأضداد، فعند منظري الحركة لا توجد حدود مهمة بين الخير والشر، أو الذكر والأنثى، ومن ثم فإن مبدأها أن الكل واحد، وهو ما يعرف فلسفيًّا باسم “وحدة الوجود”، فلا فرق بين الإله والإنسان! ولا فرق بين الأديان، فكلها واحد، ومن ثمَّ فالبشر كلهم آلهة، وهدفها إيقاظ الإله المزعوم في داخل كل إنسان، ولتحقيق ذلك تستخدم أساليب وتقنيات مثل الوعي الكوني وتحقيق الذات، والتنوير، والنيرفانا البوذية، وبناءً على ذلك يتضح بجلاء أن فكر هذه الحركة يتعارض بشكل مطلق مع الدين، خصوصًا الأديان السماوية.
الفكرة من كتاب علم النفس دينًا.. مذهب عبادة الذات
شاعت في السنوات الماضية عبارات مثل: “أنت تستطيع“، “يمكنك أن تفوز“، “ليس هناك مستحيل“، كما رُوِّج لمصطلحات مثل: “تحقيق الذات” عن طريق المقالات والكتب والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي والدورات التدريبية والمحاضرات، وحتى الأفلام والمسلسلات، وكلها تدور حول التمركز حول الذات وتقديم وصفات أشبه بالوجبات السريعة لتحقيق الأهداف الفردية وبلوغ النجاح في الحياة،
هذا بغض النظر عن تأثيرات ذلك في المجتمع، ومنبع كل ذلك هو علم النفس الذاتي الذي يمجد القيمة الفردية الشخصية، ما يجعل الإنسان يدور في فلك نفسه فقط، باحثًا عن الفائدة والمنفعة في أي علاقة إنسانية، وقد نتج عن ذلك العزلة والوحدة، ومن هنا يهدف هذا الكتاب إلى وضع علم النفس في حجمه الحقيقي، وإزالة الهالة الكاذبة التي تحيط به، ويوضح أن علم النفس تحول إلى دين وأيديولوجيا، وأصبح يعتمد على المشاعر أكثر من اعتماده على العلم، فصار جزءًا من مشكلة المجتمع المعاصر، وليس جزءًا من الحل.
مؤلف كتاب علم النفس دينًا.. مذهب عبادة الذات
بول سي. فيتز: هو عالم نفسي أمريكي، وأحد كبار الباحثين في جامعة Divine Mercy في سترلينج بولاية فيرجينيا، وهو أستاذ فخري لعلم النفس بجامعة نيويورك، متخصص في العلاقة بين علم النفس والدين، من مؤلفاته:
نفسية الإلحاد.
Modern art and modern science: The Parallel Analysis of Vision
Defending the Family: A Sourcebook
معلومات عن المترجم:
عبد القادر مساعد الجهني: هو طبيب أطفال، ومدرب في المجال الطبي، ومن المهتمين بالتعليم الطبي والتثقيف الصحي، ومهتم أيضًا بالأدب والشعر. ومن ترجماته:
هل جيناتي جعلتني هكذا؟