مذهب عبادة الذات
مذهب عبادة الذات
تتمتع نظرية الذات بشعبية علمانية وإنسانية كبيرة، وهذا راجع إلى أنها مذهب علماني ذو طابع ديني أكثر من كونها فرعًا من فروع العلم، كما يعتقد منظروها أن الطبيعة البشرية جوهرها الخير فقط، بينما يعتقد كثير من علماء النفس أن الطبيعة البشرية تحمل بين طياتها الخير والشر معًا، وأن العدائية خاصية جوهرية في الإنسان منذ ولادته، وهذا ما دفعهم إلى اعتبار النظرية الذاتانية نظرية سطحية، لها بعض التأثيرات الإيجابية العرضية القصيرة المدى في الأشخاص الأصحاء بالفعل، أو الأشخاص الذين يعانون صعوبات طفيفة.
وبناءً على ذلك يرى كثير من النقاد أن علم النفس ليس علمًا، ولا يمكن أن يكون كذلك حتى من حيث المبدأ، لأن الجلسات العلاجية متحيزة وشخصية وغير خاضعة للتحكم، ولا تعدو أن تكون سرد قصة، ومن ثمَّ لا يمكن تقييم أية معلومات تخرج منها بشكل علمي، ويؤكد ذلك أن عديدًا من المعالجين النفسيين تخلوا عن النموذج الطبي والعلمي، بل ورفضوه، واتجهوا بدلًا من ذلك إلى استخدام العلاج النفسي القائم على الإقناع، الذي يهدف إلى التخفيف عن المريض عبر إيمانه بالمعالج، ودعم وتعاطف الأخير معه.
ونادرًا ما يرى دُعاة الذاتانية أن ما يسمى بالدوافع الإيجابية كالجنس، يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، وهو ما ظهر عكسه، إذ أدركت كثير من الدول -بما لا يدع مجالًا للشك- الآثار المدمرة للثورة الجنسية التي تدور في فلك الذات، وعاينت ذلك من خلال الملايين من المرضى المصابين بالأمراض المنقولة جنسيًّا، وحالات العقم الناتجة عنها، والملايين من عمليات الإجهاض، والسلوكيات الجنسية المنحرفة التي تحولت إلى نوع من أنواع الإدمان، مثل الاستمناء والسادية والمازوخية الجنسية، ومشاهدة الصور والأفلام الإباحية، هذا إلى جانب الكارثة الكبرى وهي طوفان الشذوذ الجنسي!
إن هذا الإرضاء للجوع البيولوجي من جانب أصحاب النظريات الذاتانية أدى إلى التغافل عن مبدأ نفسي هام، وهو أن مستوى التكيف مع المتعة يرتفع باستمرار مع التجربة، ما يعني أن نسبية المتعة الجنسية سوف تدفع الناس إلى ممارسات أكثر تطرفًا وأكثر شذوذًا، من أجل الحفاظ والحصول على مستوًى ثابت من المتعة، وقد لاحظ عالم النفس “دونالد كامبل” أن ظاهرة توقع المتعة الجنسية جنبًا إلى جنب مع ارتفاع مستوى التكيف، قد ساهما في انتهاء كثير من الزيجات بالطلاق، لذا رأى أن استمرار الزيجات وشعور الزوجين بالرضا يتوقف على استبدال واجب الالتزام بالمتعة.
الفكرة من كتاب علم النفس دينًا.. مذهب عبادة الذات
شاعت في السنوات الماضية عبارات مثل: “أنت تستطيع“، “يمكنك أن تفوز“، “ليس هناك مستحيل“، كما رُوِّج لمصطلحات مثل: “تحقيق الذات” عن طريق المقالات والكتب والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي والدورات التدريبية والمحاضرات، وحتى الأفلام والمسلسلات، وكلها تدور حول التمركز حول الذات وتقديم وصفات أشبه بالوجبات السريعة لتحقيق الأهداف الفردية وبلوغ النجاح في الحياة،
هذا بغض النظر عن تأثيرات ذلك في المجتمع، ومنبع كل ذلك هو علم النفس الذاتي الذي يمجد القيمة الفردية الشخصية، ما يجعل الإنسان يدور في فلك نفسه فقط، باحثًا عن الفائدة والمنفعة في أي علاقة إنسانية، وقد نتج عن ذلك العزلة والوحدة، ومن هنا يهدف هذا الكتاب إلى وضع علم النفس في حجمه الحقيقي، وإزالة الهالة الكاذبة التي تحيط به، ويوضح أن علم النفس تحول إلى دين وأيديولوجيا، وأصبح يعتمد على المشاعر أكثر من اعتماده على العلم، فصار جزءًا من مشكلة المجتمع المعاصر، وليس جزءًا من الحل.
مؤلف كتاب علم النفس دينًا.. مذهب عبادة الذات
بول سي. فيتز: هو عالم نفسي أمريكي، وأحد كبار الباحثين في جامعة Divine Mercy في سترلينج بولاية فيرجينيا، وهو أستاذ فخري لعلم النفس بجامعة نيويورك، متخصص في العلاقة بين علم النفس والدين، من مؤلفاته:
نفسية الإلحاد.
Modern art and modern science: The Parallel Analysis of Vision
Defending the Family: A Sourcebook
معلومات عن المترجم:
عبد القادر مساعد الجهني: هو طبيب أطفال، ومدرب في المجال الطبي، ومن المهتمين بالتعليم الطبي والتثقيف الصحي، ومهتم أيضًا بالأدب والشعر. ومن ترجماته:
هل جيناتي جعلتني هكذا؟