التوافق بين العلم والدين
التوافق بين العلم والدين
توفر الاكتشافات العلمية في مجال الفيزياء عددًا من المقدمات المناسبة التي تدعم حجج الدين، ومنها اكتشاف علماء الفيزياء أن الثوابت الفيزيائية، مثل: سرعة الضوء، وقوة الجاذبية، والقوة النووية الصغرى، والقوى النووية الكبرى، يجب أن تظل في حدود ضيقة جدًّا حتى يتمكن البشر من العيش على كوكب الأرض، فلو كانت قوة الجاذبية أعلى بقليل مما هي عليه الآن، فستندمج النجوم مشكلة ما يسمى العمالقة الزرق، وإن كانت أقل بقليل مما هي عليه الآن لأصبحت النجوم أقزامًا حمراء، وينطبق الأمر نفسه على القوة النووية الصغرى والكبرى، فإن زادت أو قلت عما هي عليه الآن لانعدم ظهور أي شكل من أشكال الحياة على كوكب الأرض، لذا صار من المسلمات أن دقة نسب الثوابت الفيزيائية ضرورية لوجود الحياة.
ونتيجة لتمتع الثوابت الكونية بهذه الدقة المذهلة، فإن كثيرًا من العلماء أصيبوا بالعجب والدهشة، حتى قال عنها بول ديفيس: “إنها واحدة من أعظم اكتشافات العلم الحديث”، وقد عَدَّ المؤمنون بالإله أنها حجة قوية تدعم أن الكون مخلوق بواسطة إله كامل العلم والقدرة، وأطلقوا عليها اسم “حجة الضبط الدقيق للكون”، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن أن تنشأ هذه الدقة العجيبة في الكون عن طريق الصدفة؟ الإجابة بالطبع لا، لأن احتمال ضبط الثوابت الفيزيائية بالنسب المطلوبة لنشأة مظاهر الحياة على كوكب الأرض بالصدفة والعشوائية هو احتمال ضئيل جدًّا، لكن إذا افترضنا صحة الدين، فإن ضبطها معًا بالنسب المطلوبة مؤكد بنسبة 100% بسبب وجود إله حكيم عليم قدير.
ولتوضيح ذلك تأمل المثال التالي، إذا اتُّهِمَ صديقك بجريمة قتل وحكم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص، ووُضِع في ساحة الإعدام، ووقف عشرة جنود على بُعد عشرة أمتار منه، وأطلق كل واحد منهم عشر رصاصات، وأخطأت جميعها في إصابة صديقك، ففي هذه الحالة سيكون أمامك احتمالان، الأول أن الجنود أخطؤوا في إصابته عمدًا، والثاني أن الجنود أرادوا إعدامه بالفعل، وبملاحظة سلامته من الموت سترجِّح صحة الاحتمال الأول دون الثاني، ومن هنا يتبين لنا أن تأثير الملاحظة فعَّال في تحديد أي الاحتمالات أرجح من الآخر، وبالمثل إذا طبقنا تأثير الملاحظة في الكون الذي نعيش فيه، فإننا نلاحظ أنه مُصمم بدقة عجيبة، وإلى جانب التسليم بأننا لم نكن لنوجَد لو لم يكن مصممًا ومضبوطًا بدقة، فإننا سوف نُرجِّح أنه صُمم من قِبل صانع حكيم عليم قدير، وليس نتيجة عمليات عشوائية عمياء، نخلُص من ذلك بأن الثوابت الفيزيائية تتفق مع الدين، وتدعم وجود خالق أبدع هذا الكون.
الفكرة من كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
بدأ الصراع الحقيقي بين العلم والدين في منتصف القرن التاسع عشر في مجال علم الأحياء، وبالتحديد حول نظرية التطور التي وضعها دارون، ومنذ تلك اللحظة يرى كثير من المؤمنين بالإله أنها نظرية تتعارض مع الاعتقاد الديني الخاص بأصل الجنس البشري، كما أن كثيرًا من الدارونيين يوافقونهم على ذلك من منطلق أن التطور الدارويني لا يتفق مع الإيمان بالله مطلقًا، وبناءً على هذا الادعاء الذي تبناه لاحقًا كل من ريتشارد دوكنز ودانيال دينيت، أصبح الكثيرون يقرون بالتعارض بين العلم والدين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يتعارض العلم حقًّا مع الدين؟ يجيبنا المؤلف بأن التعارض المزعوم هو تعارض سطحي ناتج عن الميتافيزيقا المتضمنة في العلم وليست منه، ويبين ذلك من خلال عرض القضايا محل النزاع والرد عليها بأسلوب منطقي علمي رصين.
مؤلف كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
ألفن بلانتنجا: هو واحد من أشهر الفلاسفة المدافعين عن الدين ضد الإلحاد، درس بجامعة هارفارد، ونال درجة الدكتوراه من جامعة ييل، وهو زميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، وحصل على جائزة نيكولاس ريشر للفلسفة المنهجية عن بحث بعنوان “الدين والعلم.. أين يكمن التعارض حقًّا”، من مؤلفاته:
God, freedom and evil.
God and Other Minds.
Knowledge of God.
Does God have a nature?
معلومات عن المترجم:
يوسف العتيبي: هو مترجم متخصص في ترجمة الكتب والمقالات الفلسفية.