تفسير السلوكيات والأنماط البشرية بواسطة علم النفس التطوري
تفسير السلوكيات والأنماط البشرية بواسطة علم النفس التطوري
يحاول الذين يتبنون المذهب الدارويني تفسير جميع المظاهر والصفات في المخلوقات الحية بواسطة نظرية التطور، ومن تفسيراتهم أن هناك صفات معينة تساهم في تأقلم الكائن الحي مع بيئته، ومثال ذلك الخطوط الملونة على جلود النمور التي تمكنها من التمويه، وطول رقبة الزرافة التي تمكنها من أكل أوراق الأشجار العالية، وأن هذه الصفات قد تكون أساسية مرتبطة جينيًّا بصفات أخرى تساعد المخلوق على التأقلم، أو ثانوية ناتجة عن صفات مُعِينة على التأقلم، وعمموا هذا التفسير ليشمل البشر وسلوكياتهم، فظهر “علم النفس التطوري” ليفسر صفات وأنماط السلوك البشرية كالحب والسلوك الجنسي والدُّعابة والأخلاق والدين والفن وفقًا لنظرية التطور، وللوهلة الأولى تظهر مثل هذه التفسيرات كأنها منطقية، هذا إذا كنت تعتقد أن الحياة نشأت عن طريق الانتخاب الطبيعي غير الموجه.
ومن تطبيقات علم النفس التطوري تفسير الأخلاق بأنها وهم مختلق من قِبل الجينات بهدف حثنا على مساعدة بعضنا لبعض، ومن ثمَّ فهي وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية، وتفسير قيام الناس بأعمال الخير ومساعدة اليتامى والأرامل والفقراء بأنها أعمال الغرض منها زيادة فرص بقاء الإنسان وتأقلمه في البيئة المحيطه به، من أجل الفوز في الصراع التطوري ضد الكائنات الحية الأخرى، ومع ذلك فإن أكثر القضايا خلافًا بين العلم والدين، هي تفسير نشأة الدين بواسطة علم النفس التطوري، إذ يفسر بعض التطوريين الدين بأنه محاولة يائسة يلجأ إليها البشر عندما يرغبون في تحقيق أمر ما بعد استنفادهم جميع الوسائل الممكنة، بينما يفسره بعضهم الآخر على أنه فكرة ابتكرها رجال الدين الماكرون لتحقيق مصالحهم التجارية، وهذا الوصف الأخير للدين ينُم عن كراهية شخصية للدين، لا على موقف علمي، ومن ثمَّ فهو قول متهافت في ذاته.
بيد أن تفسير التطوريين لكيفية نشوء الدين والتدين لا يؤدي إلى بطلان الدين، لأن وجود منشأ طبيعي للدين لا يلزم منه بطلانه البتة، إذ يمكن أن توجد آليات إدراكية تكونت بالتطور الموجه أدت إلى تكوين اعتقادات بوجود الماورائيات عمومًا، والله خصوصًا، وبناءً على ذلك يوجد تعارض بين تفسيرات علم النفس التطوري والمعتقدات الدينية، ومع ذلك فهو تعارض سطحي ناتج عن اختلاف الأدلة الدينية وقواعد الأدلة العلمية التي يستخدمها التطوريون، ومن ثمَّ فإن هذا التعارض لا يُعد دليلًا مبطلًا للدين.
الفكرة من كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
بدأ الصراع الحقيقي بين العلم والدين في منتصف القرن التاسع عشر في مجال علم الأحياء، وبالتحديد حول نظرية التطور التي وضعها دارون، ومنذ تلك اللحظة يرى كثير من المؤمنين بالإله أنها نظرية تتعارض مع الاعتقاد الديني الخاص بأصل الجنس البشري، كما أن كثيرًا من الدارونيين يوافقونهم على ذلك من منطلق أن التطور الدارويني لا يتفق مع الإيمان بالله مطلقًا، وبناءً على هذا الادعاء الذي تبناه لاحقًا كل من ريتشارد دوكنز ودانيال دينيت، أصبح الكثيرون يقرون بالتعارض بين العلم والدين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يتعارض العلم حقًّا مع الدين؟ يجيبنا المؤلف بأن التعارض المزعوم هو تعارض سطحي ناتج عن الميتافيزيقا المتضمنة في العلم وليست منه، ويبين ذلك من خلال عرض القضايا محل النزاع والرد عليها بأسلوب منطقي علمي رصين.
مؤلف كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
ألفن بلانتنجا: هو واحد من أشهر الفلاسفة المدافعين عن الدين ضد الإلحاد، درس بجامعة هارفارد، ونال درجة الدكتوراه من جامعة ييل، وهو زميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، وحصل على جائزة نيكولاس ريشر للفلسفة المنهجية عن بحث بعنوان “الدين والعلم.. أين يكمن التعارض حقًّا”، من مؤلفاته:
God, freedom and evil.
God and Other Minds.
Knowledge of God.
Does God have a nature?
معلومات عن المترجم:
يوسف العتيبي: هو مترجم متخصص في ترجمة الكتب والمقالات الفلسفية.