دانيال دينيت وفكرة داروين الخطيرة
دانيال دينيت وفكرة داروين الخطيرة
يُعد دانيال دينيت من أهم الشخصيات المؤثرة التي تعزف على وتر تعارض العلم والدين، وتقوم حجته على أن العالم بما فيه من مخلوقات حية وجمال وتصميم نشأ عن طريق النشوء والارتقاء، من خلال طفرات جينية عشوائية لا واعية، وليس الله، ففي ظل زيادة عدد المخلوقات الحية وقلة الموارد الطبيعية المتاحة لهم، فإن المخلوقات المحظوظة تتمكن بواسطة هذه الطفرات من البقاء، وتصبح هذه الطفرة جزءًا من سجل جيني لكل نوع من أنواع المخلوقات الحية، ثم تتكرر هذه العملية بأكملها من جديد، ومن ثمَّ فهو يرى إمكانية إنتاج العقل الواعي من مادة غير واعية، وهذه الفكرة تتعارض بشكل صارخ مع الاعتقاد الديني، ومن هنا تكمن خطورتها.
بيد أن زعم دينيت مليء بالإشكالات في نظر المؤمنين وغيرهم، إذ ليس من المعقول أن اللغة والوعي والقدرة على تأليف الشِّعر من نتاج الانتخاب الطبيعي، لأن من أهم خصائص الفكر القصد، فأنا وأنت عندما نفكر في شيء ما، فإننا نقصد التفكير فيه، ولا يمكن أن ينتج القصد من تلك الآلية العمياء التي يدعيها دينيت، ومن ثمَّ تعد فكرته عن نشأة الحياة مثالًا نموذجيًّا على المذهب الطبيعاني، ومن ثم علينا أن نتساءل: هل تُثبت نظرية الانتخاب الطبيعي أن كل مظاهر الحياة بما فيها العقل والوعي من إنتاج آلية عمياء لا غائية؟ الإجابة لا، لأن نظرية التطور لم تثبت خطأ ما قاله جون لوك، كما لم تثبت أن العقل نشأ من مادة غير واعية، فنظرية التطور كغيرها من النظريات العلمية لا تبحث في مثل هذا النوع من الأسئلة، إذ إن البحث فيها متروك للفلسفة، وبناءً على ذلك فإن دينيت ونظرية التطور لم يثبتا إمكان نشوء الكائنات الحية والعقل والوعي من الانتخاب الطبيعي غير الموجه!
ومن ثمَّ فإن غاية ما يعتمد عليه دينيت ومن قبله دوكنز في إثبات نشوء جميع مظاهر الحياة بواسطة الانتخاب الطبيعي، مبني على أنه ليس احتمالًا ضئيلًا جدًّا! وهي حجة متهافتة تشبه قول من يخبرك عن شخص مشهور بحسن الخُلق، بما أنك لا تعرف يقينًا ما إذا كان احتمال أن يكون منافقًا هو احتمال ضعيف جدًّا، فهو بالتأكيد إنسان منافق، فهل تُسلِّم له بذلك؟! وبناءً على ما سبق، فإن صراخ دوكنز ودينيت وغيرهما بالتعارض بين العلم والدين، هو صراخ في غير محله، إذ إن التعارض راجع إلى الآراء الفلسفية المتضمنة في العلم، وليس العِلم ذاته.
الفكرة من كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
بدأ الصراع الحقيقي بين العلم والدين في منتصف القرن التاسع عشر في مجال علم الأحياء، وبالتحديد حول نظرية التطور التي وضعها دارون، ومنذ تلك اللحظة يرى كثير من المؤمنين بالإله أنها نظرية تتعارض مع الاعتقاد الديني الخاص بأصل الجنس البشري، كما أن كثيرًا من الدارونيين يوافقونهم على ذلك من منطلق أن التطور الدارويني لا يتفق مع الإيمان بالله مطلقًا، وبناءً على هذا الادعاء الذي تبناه لاحقًا كل من ريتشارد دوكنز ودانيال دينيت، أصبح الكثيرون يقرون بالتعارض بين العلم والدين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يتعارض العلم حقًّا مع الدين؟ يجيبنا المؤلف بأن التعارض المزعوم هو تعارض سطحي ناتج عن الميتافيزيقا المتضمنة في العلم وليست منه، ويبين ذلك من خلال عرض القضايا محل النزاع والرد عليها بأسلوب منطقي علمي رصين.
مؤلف كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
ألفن بلانتنجا: هو واحد من أشهر الفلاسفة المدافعين عن الدين ضد الإلحاد، درس بجامعة هارفارد، ونال درجة الدكتوراه من جامعة ييل، وهو زميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، وحصل على جائزة نيكولاس ريشر للفلسفة المنهجية عن بحث بعنوان “الدين والعلم.. أين يكمن التعارض حقًّا”، من مؤلفاته:
God, freedom and evil.
God and Other Minds.
Knowledge of God.
Does God have a nature?
معلومات عن المترجم:
يوسف العتيبي: هو مترجم متخصص في ترجمة الكتب والمقالات الفلسفية.