البشر والموارد وبداية الحكاية
البشر والموارد وبداية الحكاية
حذَّر الاقتصادي مالتوس من مشكلة عدم التوازن بين زيادة عدد السكان وزيادة الموارد، حيث أوضح أنه يزيد البشر طبقًا لمتوالية هندسية كل 25 عامًا فنجد أن الموارد الطبيعية في أحسن حالاتها تزيد طبقًا لمتوالية عددية، ومن ثَمَّ سوف تنشأ فجوة غذائية وأفواه جائعة لن تجد ما يكفيها من الغذاء، وهنا لا بدَّ أن يتم التوازن طوعًا وإلا سوف تتدخَّل الطبيعة بوجهها القاسي المتمثِّل في المجاعات والحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية، وما شابه لكي تعيد التوازن جبرًا مرة أخرى.
سار الجميع وراء نظرية مالتوس وأرجعوا مشكلة الأفواه الجائعة إلى مشكلة الندرة المتمثِّلة في بشر أكثر وموارد أقل، ولكن بمزيد من التحليل نجد أن الأمر ليس على إطلاقه كما قال مالتوس، فندرة الموارد ليست بتلك الصورة القاتمة، فباستخدام معيار إمكانية الإنتاج، أي المقارنة بين ما تم إنتاجه وما يمكن إنتاجه نجد أن هناك الكثير من الموارد البكر التي لم تُستغل أصلًا، ففي معظم البلدان الصناعية هناك أكثر من 50% و75% من الأراضي الصالحة للزراعة مهملة في البلدان الصناعية والنامية بالترتيب، بالإضافة إلى أن الجزء المستغل أصلًا من الموارد يعاني مشكلة عدم الكفاءة في الاستخدام، وبخصوص الإنتاج الزراعي الذي هو لب المشكلة نجد أن المزارعين يوجِّهون إنتاجهم إلى المحاصيل النقدية ومحاصيل التصدير كالفول السوداني والقطن والكاكاو، وغيرها بدلًا من محاصيل الغذاء الضرورية كالحبوب والخضراوات، بالإضافة إلى المحاولات المتعمَّدة لصناعة الندرة عبر تبوير الأراضي الزراعية، وتحويل المحاصيل الزراعية من الأفواه الجائعة إلى الماشية!
من ناحية أخرى يتم النظر دائمًا إلى الكثافة البشرية على أنها شر مطلق، فهي تلتهم مقدَّرات البلاد وتقضي على أي فائض، وما يدري هؤلاء أن دولة مثل اليابان التي يبلغ فيها معيار الكثافة البشرية أضعاف مثيله في الهند والفلبين، إلا أننا نجد أن إنتاجية الفدان في اليابان تبلغ 7 أضعاف مثيله في الهند! وهذا هو بيت القصيد، فالكثافة البشرية تُعدُّ بمثابة الرصيد لرأس المال البشري الذي يحتاج فقط إلى كفاءة الاستغلال وتوجيهه بحرفية للانخراط في العملية الإنتاجية.
الفكرة من كتاب صناعة الجوع.. خرافة الندرة
“في الوقت الذي تنتج فيه الأرض ما يكفي لإطعام ساكنيها وأكثر، يعيش عليها نصف مليار جائع!”.
يناقش هذا الكتاب أزمة الغذاء العالمية، فيبيِّن بالأمثلة العملية والتاريخية أن الجوع هو صناعة، مثله مثل أي صناعة أخرى، هناك من يستفيد ويكسب ربحه منها، فتصدير الجوع والحروب والأمراض إلى دول بعينها يفتح بابًا من أبواب الربح والتجارة في هذه البلدان لبعض المستفيدين.
مؤلف كتاب صناعة الجوع.. خرافة الندرة
فرانسيس مورلابيه: مؤلفة بريطانية، اشتغلت بالبحث والكتابة في قضية الغذاء على مستوى العالم منذ عام ١٩٦٩، وقد تُُرجم كتابها الرائج “غذاء لكوكب صغير” إلى لغات عدة، ونشرت أيضًا مقالات كثيرة في مجلات أكاديمية وغير أكاديمية.
جوزيف كولينز: مؤلف وكاتب بريطاني، قام بدراسة خاصة عن الشركات المتعددة الجنسيات وسياسات حكومات العالم الأول في مناطق العالم الثالث، وقد تعاون مع آخرين في تأليف كتاب بعنوان “المدى العالمي.. قوة الشركة متعددة الجنسيات”.