التعاون في مقابل التنافس
التعاون في مقابل التنافس
يتخلى الكثيرون عن حلم العمل في المجالات العلمية والشغف الطبيعي للبحث والاستكشاف عندما يواجهون الواقع الأكاديمي، الذي يجبرهم على العمل تحت ضغوط المنافسة والأجور الزهيدة إلى جانب بيئة العمل المنعزلة عن الحياة العادية.
توضح الكاتبة أن المنافسة عامل مهم في تقدم البحث العلمي عن طريق تحفيز الإبداع والتخلص من الأفكار غير النافعة، ولكن هذا الأمر يعتمد على الآلية والأهداف المرجوة من المنافسة من البداية، فالمنافسة التي تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة بدافع الشغف والرغبة في العلم تختلف عن تلك التي وجدت لفرض السيطرة والقوة، سبب ذلك أن الهدف الأول يشجع على التعاون والمشاركة عن طريق الاستفادة بالخبرات المتاحة والإضافة إليه، أما الهدف الثاني فهو يُقَوض العملية العلمية ويفرض حالة من الانعزال واحتكار المعرفة، إلى جانب أنه يؤثر سلبًا في صحة الباحثين ولا يمكن بأي شكل أن يؤدي إلى نمو الحركة العلمية.
بالنسبة إلى البعض فإن الهدف الأسمى من العمل في المجال العلمي هو القدرة على التعاون والمشاركة، فهناك باحثون يجدون سعادة في العمل مع الآخرين في مناقشة الأفكار الجديدة والتعاون في مشروعات متنوعة، ولكنهم يخشون التعرض للانتقاد والاتهام باستغلال الآخرين وعدم الكفاءة (خصوصًا إذا كانوا نساء)، كما أن العالم من وجهة النظر العلمية مبني على التنافس لا التعاون، فكما يخبرنا علم الأحياء بصورة مستمرة أن البقاء للأقوى، وأن الكائنات الحية في الطبيعة لا بد أن تتصارع في ما بينها في البحث عن الموارد المحدودة حتى تستطيع النجاة، فعلى الرغم من ذلك، إذا نظرنا إلى أبحاث التكافل symbiosis في الطبيعة، سنجد أن المنافسة والتعاون لا يتعارضان، فبعض العمليات الحيوية لكائنات حية تعتمد على كائنات أخرى، مثال ذلك اعتماد عملية الهضم في الثدييات على بكتيريا الأمعاء؛ هذه علاقة تعاون في حالة البكتيريا النافعة ومنافسة في ما عدا ذلك.
الفكرة من كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
لقرون عديدة اقتصر مجال البحث العلمي والاختراع على الرجال لأسباب اجتماعية وثقافية، ويمكن أن نرى بسهولة الهيمنة الكاملة للعنصر الذكوري في هذا المجال، ليس فقط لأن أغلب المساهمين في البحث العلمي رجال، بل لأن السمات التي تميز المجتمع العلمي وتصف طبيعة الحياة العلمية بشكل عام تحمل صفات ذكورية خالصة، نتيجة أن التهميش الذي طالما تعرضت له النساء بصورة فردية امتد ليشمل الجانب الأنثوي ككل، هذا الجانب يشمل كل العناصر والصفات البشرية التي يغلب عليها الطابع الأنثوي كالعاطفة والرغبة في الاتصال بالبيئة والنسبية في الأحكام، وبتجاهل هذه الصفات صار العلم مجالًا يتصف بالاختزال والموضوعية المطلقة معتمدًا بشكل كامل على جمع البيانات وتحليلها ثم استدلال النتائج.
هذه العملية المنهجية من ناحية أنتجت لنا التقدم الهائل والحياة المليئة بالرفاهية التي نعيشها اليوم، ومن ناحية أخرى تسببت في ظهور مشكلات بيئية وأزمات أخلاقية، وكذلك صناعة أسلحة فتاكة أودت بحياة الملايين، ولا يملك العلم القدرة على مواجهة هذا الجانب المظلم إذا ظل ملتزمًا بالحياد ولم يتحلَّ بالروح الإنسانية المطلوبة، التي تسعى لرؤية الصورة الكاملة وتضع الأمور في نصابها الصحيح وتصنع القرارات بمرونة وتفهم.
في صفحات هذا الكتاب نستعرض رؤية جديدة للعلوم متأثرة بالطبيعة والشخصية الإنسانية بناءً على نظريات “كارل يونج” عن الوعي ومحاور الشخصية للوعي Personality Axis، بالإضافة إلى نصائح عامة ونقد صريح لسلوكيات شديدة الضرر تنتشر في المجتمع العلمي كما تراها الكاتبة.
مؤلف كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
ليندا جين شيفرد: هي دكتورة وعالمة؛ حاصلة على البكالوريوس مع مرتبة الشرف في مجال الأحياء من جامعة مارسيل، ونالت درجة الدكتوراه في علم الكيمياء الحيوية بجامعة بنسلفانيا. دفعها شغفها الكبير بالطبيعة والكائنات الحية إلى العمل باحثة في هذه المجال، كما نشرت عشرات الأوراق العلمية، وهي تبدي كذلك اهتمامًا كبيرًا بعلم النفس والنظريات المتعلقة بأساليب عمل العقل الإنساني وعلاقتها بالأحلام وتشكيل اللا وعي، وهو ما جعلها تخصص بحث الدكتوراه الخاص بها عن آلية عمل التخدير، وذلك لارتباطه القوي بفكرة الوعي في الإنسان. حاز كتابها “أنثوية العلم” على جائزة الكتاب بولاية واشنطن لإسهامه في طرح أفكار لنموذج علمي أكثر شمولًا من سابقه، ولإعادة النظر في دور النساء الحالي في مختلف العلوم.
معلومات عن المترجمة:
يمنى طريف الخولي: أستاذ فلسفة العلوم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وهي حاصلة على الليسانس الممتازة بمرتبة الشرف من قسم الفلسفة، والماجستير في الفلسفة عن موضوع فلسفة العلوم عند “كارل بوبر”، وكذلك الدكتوراه بمرتبة الشرف عن موضوع مبدأ اللا حتمية في العلم المعاصر ومشكلة الحرية. أسهمت في إثراء الثقافة العلمية عن طريق نشر المقالات العلمية والترجمات المختلفة؛ ومنها “مفهوم المنهج العلمي” و”ركائز في فلسفة السياسة” و”فلسفة الكوانتم”.